القراءة الثامنة
- التفاصيل
-
14 نيسان 2016
- نشر بتاريخ الخميس, 14 نيسان/أبريل 2016 15:55
شكَّل كتاب "العادة الثامنة" لمؤلفه "ستيفن كوفي" تكملة ضرورية لكتاب "العادات السبع للناس الأكثر فعالية"، وقد حقق الكتابان شهرة كبيرة، وبيعت منهما ملايين النسخ. إن فكرة الكتاب التكملة التي جاء بها "ستيفن كوفي" هي نفسها الفكرة التي استخدمها كاتب هذه السطور لإكمال مقال سابق كان قد تضمن سبع قراءات لتصريحات الوزراء الثلاثة الذين تحدثوا عن تمديد المأموريات وعن تعديل الدستور.
كنتُ قد تحدثتُ في مقال سابق عن سبع قراءات حاولتُ من خلالها أن أقدم تفسيرا منطقيا للسبب أو الأسباب التي جعلت وزراء الاقتصاد والعدل والنطق باسم الحكومة يطلقون تصريحات متزامنة تروج ـ تلميحا أو تصريحا ـ للمأمورية الثالثة ولتعديل الدستور. ولكن، وبعد نشر ذلك المقال، وبعد أن أعدتُ قراءته، وليس من عادتي أن أعيد قراءة مقالاتي بعد نشرها، وجدتُ أن هناك قراءة ثامنة لتلك التصريحات لم تظهر في ذلك المقال، وأن هناك ضرورة لإضافة هذه القراءة الثامنة للقراءات السبع التي تم عرضها في مقال سابق.
ومن قبل أن أعرض عليكم قراءتي الثامنة لتلك التصريحات فإليكم هذه القصة القصيرة. تقول هذه القصة بأن رجلا فقيرا كان يسكن في غرفة ضيقة مع زوجه وأربعة من أبنائه، وأنه ذات مرة شكا لأحد أصدقائه صعوبة العيش مع خمسة أشخاص في غرفة ضيقة، وأنه طلب من ذلك الصديق أن يشير عليه برأي سديد، فما كان من الصديق المستشار إلا أن طلب من صديقه المستشير أن يشتري حمارا، وأن يستضيف ذلك الحمار في المنزل ليقاسمه مع الزوجة والأبناء الأربعة المبيت في الغرفة الضيقة، وطلب الصديق المستشار من صديقه المستشير بأن يأتيه في اليوم الموالي ليخبره عن الحالة النفسية له، ولأسرته، بعد أول ليلة يقضونها مع حمار في غرفة ضيقة.
ـ لقد كانت ليلة مزعجة تماما..هكذا وصف صاحبنا الفقير أول ليلة استضاف فيها حمارا في غرفته. ـ حسنا، اذهب الآن إلى السوق واشتر ديكا ثم اذهب به إلى الغرفة ليشارككم المبيت فيها مع الحمار، ولا تنس أن تأتيني في الصباح الموالي لتحدثني عن حالك وعن حال الغرفة في تلك الليلة. في صبيحة اليوم الموالي جاء صاحبنا الفقير إلى صديقه، وقال له: ـ لقد كانت ليلة في غاية الإزعاج اختلط فيها نهيق الحمار بصياح الديك.
ـ حسنا، اذهب الآن إلى السوق واشتر معزاة، ولا تنس أن تأتيني في صباح اليوم الموالي لتحدثني عن ليلتك التي تقاسمتَ فيها الغرفة الضيقة مع الزوجة والأبناء الأربعة بالإضافة إلى الحمار والديك والمعزاة. في صبيحة اليوم الموالي جاء صاحبنا الفقير إلى صديقه، وقال له بصوت غاضب:
ـ إني لم أعد أطيق العيش في هذه الغرفة الضيقة التي اختلط فيها نهيق الحمار بصياح الديك وثغاء المعزاة ..إن قضاء أي ليلة أخرى في هذه الغرفة الضيقة مع الأسرة والحيوانات سيتسبب لي في الجنون.
ـ حسنا، الآن اخرج الحمار من الغرفة، واترك الديك والمعزاة، ولا تنس أن تمر بي في صباح اليوم الموالي. في اليوم الموالي جاء صاحبنا الفقير وهو يردد: ـ لقد تحسن الحال قليلا.. ـ حسنا، الآن أخرج الديك أيضا من الغرفة، ولا تترك إلا المعزاة، ولا تنس أن تمر بي في صباح اليوم الموالي لتحدثني عن ليلتك التي قضيتها في الغرفة بعد غياب الحمار والديك. في هذه المرة قال صاحبنا الفقير: ـ لقد تحسن الحال أكثر..
ـ حسنا، الآن اخرج المعزاة من الغرفة، ولا تنس أن تمر بي لتحدثني عن حال الغرفة، وعن المبيت فيها بعد أن غادرها الحمار والديك والمعزاة. في اليوم الموالي جاء صاحبنا الفقير فرحا وهو يقول: ـ لقد كانت ليلة رائعة!!
لعلكم لاحظتم أن صاحبنا الفقير في بداية القصة كان يشكو من العيش في غرفة ضيقة مع خمسة أشخاص، ولكنه في نهايتها أصبح يعتبر العيش في نفس الغرفة الضيقة ومع نفس الأشخاص شيئا رائعا..فما الذي تغير؟ وهل ازدادت الغرفة اتساعا؟ أم أن عدد الأشخاص قد نقص؟
لا شيء من هذا أو ذاك قد حصل، وكل ما في الأمر هو أن صاحبنا الفقير كان قد وقع ضحية لخدعة كبيرة فالمشكلة التي كان يعاني منها لا تزال قائمة، ولكن هذه المشكلة تم نسيانها تماما بعد أن أضيفت لها مشاكل مفتعلة، وبعد أن تم حل تلك المشاكل المفتعلة.
إن هذا الأسلوب المخادع في إدارة الأزمات يمارسه العديد من الأنظمة الحاكمة، وبطبيعة الحال فإن نظامنا الحاكم يعد واحدا من تلك الأنظمة التي تمارس هذا الأسلوب المخادع.
لم تكن مشكلة تعديل الدستور وتمديد المأموريات مشكلة مطروحة أصلا، فهذه قضية قد تم حسمها بعد أن تم تحصين المادة 99 من الدستور الموريتاني. إن هذه المشكلة قد تم افتعالها، مثلما تم افتعال مشاكل لصاحبنا الفقير من خلال جلب حمار وديك ومعزاة إلى غرفته الضيقة، ولذلك فإنه من المهم جدا أن نذكر بأن إخراج الحمار من الغرفة الضيقة لن يؤدي إلى حل المشكلة الأصلية المتمثلة في ضيق الغرفة، كما أن تعهد الرئيس غدا بأنه لن يعدل الدستور من أجل الترشح إلى مأمورية ثالثة لن يؤدي إلى حل الأزمة السياسية القائمة، والتي كانت قائمة من قبل تصريحات الوزراء الثلاثة، ومن قبل أن يكون هناك أي حديث عن مأمورية ثالثة.
إن الرئيس كان قد أقسم منذ عام وزيادة بأنه لن يدعم بشكل مباشر أو غير مباشر أية مبادرة تدعو إلى تمديد المأموريات، ولذلك فأن يعيد الرئيس تأكيد ذلك التعهد غدا، ومن دون قسم، فإن ذلك لن يضيف جديدا، حتى وإن كان سيخلق موجة من الفرح العارم والزائف لدى الكثير من الموريتانيين، وذلك بسبب كل هذه المخاوف المتعلقة بتعديل الدستور، والتي كانت قد إثارتها التصريحات الأخيرة للوزراء الثلاثة.
إنه علينا أن لا نغتر بذلك الفرح الزائف، كما اغتر صاحبنا الفقير، فغرفة الفقير ما تزال على حالها، وأزمتنا السياسية ستبقى على حالها حتى وإن صرح الرئيس غدا بأنه لن يعدل الدستور، وبأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة. إن تقديم حلول جاهزة لمشاكل مفتعلة هو مجرد خدعة تهدف إلى مغالطة المعارضة، تماما مثلما تمت مغالطتها في أوقات سابقة، ولعل المثال الأبرز الذي يمكن تقديمه هنا هو ما حدث بعد إطلاق رصاصات على الرئيس في الثالث عشر من أكتوبر من العام 2012. لقد تم افتعال مشكلة جديدة من أجل نسيان المشكلة الأصلية، فبدلا من أن يتم التركيز على الحادثة، وعلى المطالبة بكشف ملابستها، فقد تم تحويل مسار النقاش بين السلطة والمعارضة إلى الحالة الصحية للرئيس، وعن مدى قدرة الرئيس على مزاولة مهامه بعد تلك الإصابة، ولقد عملت السلطة على تغذية تلك الشكوك من أجل الانحراف بمسار النقاش إلى قضايا تخدمها في تلك الظرفية. هكذا، وببساطة شديدة، تم تجاهل الحادثة وملابستها، وتم التركيز على الوضعية الصحية للرئيس، ولذلك فقد شكل ظهور الرئيس في قصر الإليزيه صحبة الرئيس الفرنسي يوم التاسع عشر من نوفمبر، نصرا كبيرا للسلطة، وخسارة فادحة للمعارضة. لقد هزمت المعارضة هزيمة نكراء في فترة كان بإمكانها أن تحقق فيها نصرا مبينا، ولقد كان السبب في ذلك هو أن هناك مشكلة قد تم افتعالها أنست في المشكلة الأصلية، ولقد كسبت السلطة كثيرا بافتعال تلك المشكلة، وبإيجاد حلول لها، بينما خسرت المعارضة خسارة كبيرة، فهل ستتكرر الحكاية من جديد؟ وهل ستكون ليلتنا كبارحتنا؟
لا أريد أن اختم هذا المقال من قبل أن أبعدكم قليلا عن السياسة وتعقيداتها، وما دام قد تم ذكر "ستيفن كوفي" في بداية هذا المقال، فلا بأس من أن نختم المقال بوصاياه الشهيرة التي جاءت في كتابه "العادة الثامنة": ـ الناس غير منطقيين ولا تهمهم إلا مصلحتهم، أحِبهم على أية حال..
.. ـ إذا فعلت الخير سيتهمك الناس بأن لك دوافع أنانية خفية، افعل الخير على أية حال .. ـ إذا حققت النجاح سوف تكسب أصدقاء مزيفين وأعداء حقيقيين، انجح على أية حال .. ـ الخير الذي تفعله اليوم سوف ينسى غداً، افعل الخير على أية حال .. ـ إن الصدق والصراحة يجعلانك عرضة للانتقاد، كن صادقاً وصريحاً على أية حال ـ إن أعظم الرجال والنساء الذي يحملون أعظم الأفكار يمكن أن يوقفهم أصغر الرجال والنساء الذي يملكون أصغر العقول، احمل أفكاراً عظيمة على أية حال..
ـ الناس يحبون المستضعفين لكنهم يتبعون المستكبرين، جاهد من أجل المستضعفين على أية حال.. .. ـ ما تنفق سنوات في بنائه قد ينهار بين عشية و ضحاها، ابن على أية حال ـ الناس في أمس الحاجة إلى المساعدة لكنهم قد يهاجمونك إذا ساعدتهم، ساعدهم على أية حال..
ـ إذا أعطيت العالم أفضل ما لديك سيرد عليك البعض بالإساءة، أعط العالم أفضل ما لديك على أية حال.. حفظ الله موريتانيا.. محمد الأمين ولد الفاضل
موريتانيا الَّتِي لاَ "تَغْرُبُ عَنْهَا شَمْسُ السِيَاسَةِ" !!
- التفاصيل
-
03 تشرين2 2015
- نشر بتاريخ الثلاثاء, 03 تشرين2/نوفمبر 2015 09:32
لا يُخْطِئُ المراقب المهتم بالِشأن الوطني ملاحظةَ سيطرة السياسة و التسيس علي اهتمامات جميع الموريتانيين علي اختلاف ألسنتهم و أعراقهم و أعمارهم و أجناسهم و مراكزهم و منابتهم و منازعهم و دُخُولِهِمْ،... فألسنتهم جميعا رَاشِحَةٌ بما في آنِيًتِهَا، رَطِبَةٌ من "المِرَاءِ السِيًاسِي" الذي يملأ طَنِينُهُ جميع الوسائط الإعلامية "التقليدية" و العصرية حول فروع القضايا الوطنية و "أَسْقَاطِها "... حتي استحقت بلادنا اللًقَبَ الإعلامي "بَلَدَ المِلْيُون سياسي" من قِبَلِ إحدي أشهر القنوات التلفزيونية العربية.
< و لقد أعمي "الصًخَبُ السِيًاسِي" بَصَائِرَ الصفوة من الموريتانيين حتي لا تكاد تسمع نداء فكريا و لا تحليلا علميا و لا مقترحا "بَدَائِلِيًا" متعلقا بالمشكلات الاقتصادية و التنموية الكبري لهذا البلد الذي يُشاع علي نطاق واسع – حُبُورًا و غُرُورًا أو تَهْلِيلاً و تَهْوِيلاً- بأنه بلد غني بالثروات الطبيعية التي يقذف بها باطن الأرض في حين أنه يئن تحت وطأة مؤشرات مُحْزِنَةٍ تم نشرها مؤخرا في مجالات الفقر و انتشاره و التعليم و رَدَاءَتِهِ و العَطَلِ و فَدَاحَتِهَ....
كما رَانَ "اللًغَطُ السياسي" علي عقول جميع النخب الموريتانية حتي بدا أنها تؤجل إلي "الكَالَنْدِ الإِغْرِيقِي" التفكيرَ الجاد و المسؤول و العمل الاستباقي و الوقائي بخصوص "الألغام الاجتماعية" العديدة التي تَتَخَطًفُ المجتمع الموريتاني كالإرث الثقيل للاسترقاق و رواسبه و التركة المزعجة لانتهاكات حقوق الإنسان من طرف الأنظمة الاستثنائية و شبه الاستثنائية و موروث التراتبية الاجتماعية البغيض و سؤال التوازن المناطقي الطًارِفِ و التًلِيدِ و عُضْلَةِ التوزيع العادل للثروة بعد عقود من الغبن و الحيف والاحتكار و و"عَوِيصَةِ" التعليم الوطني "المُفَخًخِ"...
< فمنذ عقود أربعة تقريبا و موريتانيا غارقة مستغرقة في الشأن السياسي لا صوت يعلو أو يُسمع فيها مع صوت السياسة حتي ذاع في أوساط عديدة محلية و أجنبية بأنها البلاد التي لا تَغْرُبُ عنها شمس السياسة؛ و يرجع بعض المتابعين للشأن السياسي الوطني انشغال الموريتانيين بالسياسة و السياسة وحدها تقريبا سواء في ذلك العاكف و البادي إلي عدة عوامل منها:-
أولا: إرث التغييرات اللادستورية: لقد عرفت موريتانيا منذ 1978 محاولاتِ تغييراتٍ لادستوريةٍ عديدة و متكررة منها ما نجحت في انتزاع السلطة و كثير منها لم توفق في ذلك و قد أفضت تلك التغييرات اللادستورية الناجحة و الفاشلة إلي جدل لا منقطع حول الشرعية السياسية للأنظمة الحاكمة وإلي مُغَالَبَةٍ مستديمة بين السياسيين و رَهْطِهِمْ و شِيعَتِهِمْ استخدمت و تُستخدم فيها كل "الأسلحة المعنوية" المشروعة و "غير المشروعة" مما أنتج حالة من التعبئة الشاملة و النفير العام حول القضايا السياسية؛
ثانيا: مرارةُ فشل المعارضة التقليدية في الظفر بالتداول علي السلطة: يُرجع بعض المحللين حرارة المشهد السياسي إلي المرارة" التراكمية" لفشل المعارضة التقليدية في الظفر بالتداول علي السلطة لُطْفًا لا عُنْفًا مما حدا بأحزاب المعارضة إلي التسخين الدائم للمشهد السياسي عسي أن يُعجل ذلك بفرصة للتداول علي الحكم تبدو دائما أو غالبا كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ بالنسبة للمستعجلين و المتعطشين للسلطة؛
ثالثا: المقاربات التًأْجِيجِيًةُ" للرأي العام من طرف الموالاة و المعرضة معا: أدي الاستقطاب السياسي العنيف معنويا بين الموالاة و المعارضة إلي اعتماد كلي الطرفين لمقاربة تأجيجية للرأي العام الوطني فرفعت المعارضة شعار "التشويش في مواجهة التهميش"و عمدت إلي تضخيم خطايا و أخطاء النظام و تلفيقها و إنشائها إنشاءً في بعض الأحيان ابتغاء الإضرار بسمعة و مصالح النظام مع شيئ من نقص الحيطة و الحذر و كثير من التفريط أحيانا بالأمن المجتمعي العام والمصالح العليا الواسعة في سبيل المكاسب السياسية الضيقة.
كما لجأت الأنظمة السياسية الحاكمة أيضا و خصوصا الأنظمة الاستثنائية و شبه الاستثنائية التي تعاقبت علي هذا البلد إلي تشغيل "طَوَاحِينِهَا " الدعائية و التعبوية من أجل نَفِيرِ النخبة "الكِلْيَانِيًةِ" و شَحْنِ عامة الناس بالدفاع عن "المكتسبات الوطنية" و اعتبار النظام القائم مهما كان "نظاما ضروريا" يساوي بقاؤه بقاءَ بَيْضَةِ الدولة و المجتمع.
و لئن قال قائل بأن العقل الموريتاني مُحَيًدٌ، مُغَيًبٌ و مُنَوًمٌ بفعل المُخَدِرِالسِيًاسِي" و أن عجلة الإصلاح الاجتماعي و النمو الاقتصادي و المراجعات التعليمية مُعَطًلَةٌ بفعل كوابح التجاذب السياسي الدائم و الأبدي بين المعارضة و الموالاة و أشياعهما فلا أملك إلا أن أقول بأنه أصاب عين الحقيقة مضيفا بأن الحوار السياسي "الخالص للوطن" هو وحده القادر بمشيئة الله علي تطبيع المشهد الوطني عبر توفير الضمانات اللازمة "لِطَهَارَةِ" الاقتراع الانتخابي و استعادة المعضلات و "الألغام" الاجتماعية لاسْتِعْجَالِيًتِهَا و الهموم و الشواغل الاقتصادية لِصَدَارَتِهَا و المشاكل و المستجدات السياسية لحجمها...ساعتها سيستعيد المشهد الوطني توازنه و عافيته و صحته بعد أن كاد يقنط و يَيْأَسُ من ذلك الحَادِبُون و المشفقونَ.
فتح الجبهة الليبية… وانتقال التوتر من المشرق العربي إلى مغربه
- التفاصيل
-
30 تشرين1 2015
- نشر بتاريخ الجمعة, 30 تشرين1/أكتوير 2015 10:47
حين اندلعت أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا سنة 1961, وبينما كان الرئيس الأمريكي جون كيندي يوجه تهديده الشهير إلى الاتحاد السوفيتي كانت المفاوضات الجدية والحقيقية تدار في مطعم صغير في أحد أحياء واشنطن الكبيرة !
يوم الثلاثاء 27 أكتوبر دعت الخارجية الفرنسية إلى عشاء عمل تشارك فيه كل من الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة العربية السعودية والإمارات و تركيا وقطر وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وتغيب عنه روسيا وذلك قصد التباحث حول الأزمة السورية.
للتذكير…لقد كان عشاء واشنطن سرياً و توصل إلى حل للازمة !
***
في 30 سبتمبر انطلقت أولى العمليات الروسية في سورية وتدخل أسبوعها الرابع مسجلة 934 طلعة جوية دمرت خلالها 819 موقعا للارهابين. فالإدارة الروسية تتبع سياسة الأمر الواقع التي تفرضها تغيرات الميدان وتتبعها دبلوماسية مفاوضات الأوراق الرابحة. ولتكتف الإدارة الفرنسية بدبلوماسية “رد الاعتبار” احتجاجا على الإقصاء من الاجتماع الرباعي في فيينا…فلروسيا ساحة القتال ولفرنسا موائد العشاء!
إن الضربات الجوية الروسية المدعومة بالقوات البرية السورية ساهمت في تعطيل إمدادات التنظيمات المتشددة و محاصرتها مما دفعها إلى التوجه من محافظة الرقة إلى الغرب السوري.
تأتي هذه التغيرات الميدانية – و التي لم تبلغ بعد مرحلة قلب موازين القوى العسكرية- كانطلاقة لمرحلة جديدة دشنت بخروج الأسد من عزلته وبتحريك المفاوضات والحديث عن حل سياسي تتمسك فيه روسيا ببقاء حليفها النظام الروسي.
و لئن لا يمكن الحسم في مدى الدور الذي سيلعبه الأسد في الفترة القادمة فان الأرجح أن الجماعات المتشددة ستكون خارج معادلات الميدان الروسي وذلك بتطويق الخناق حولها. وهنا يكثر الحديث عن عودة المقاتلين وتوجههم نحو ليبيا التي يحكمها منطق الفاعلين (ميليشيات – جماعات قبائلية – مجالس جهوية) على حساب منطق الدولة.
وقد نشرت صحيفة الخبر الجزائرية يوم 17 أكتوبر نقلاً عن مصدر أمني رفيع المستوى أن روسيا تراقب مواقع خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة في ليبيا عن طريق طائرات إستطلاع وقمر صناعي عسكري. وبذلك يبدو أن المغرب العربي هو الوجهة المقبلة للجماعات الارهابية بعد انحسار قوتها في بلدان المشرق العربي وعودة عناصر هذه التنظيمات إلى بلدانها مع العلم أن المغاربة (نسبة إلى بلدان المغرب العربي) يشكلون النسب الاعلى من المقاتلين الأجانب.
هذا وقد حملت الزيارة الغامضة لقائد سلاح الجو الأمريكي بافريقيا وأوربا الجنرال فرانك قوانك إلى تونس يوم الخميس 22 أكتوبر عدة دلالات خاصة مع تواتر أنباء حول قرار أمريكي بتنظيم طلعات جوية فوق الحدود التونسية الليبية مما يدفع للتساؤل حول إمكانية فتح جبهة شمال إفريقيا عبر البوابة الليبية و إنتقال التوتر من المشرق العربي إلى مغربه.
***
إن سئلت عن تعامل الإدارة التونسية مع هذه المستجدات خاصة مع هشاشة ودقة الوضع السياسي و الاقتصادي و مع الغموض الذي بات يكتنف العلاقات التونسية الجزائرية ( الجزائر ترفض أي تدخل أجنبي في المنطقة و تعد محاصرة من دولتين حليف غير عضو في حلف الناتو : تونس والمغرب) فإجابتي أنني لا أعرف بعد في أي مطعم تدار الترتيبات ولا من هي الأطراف المدعوة لمائدة العشاء !
ثراء الاستهلال... طريق سالكة منذ الاستقلال
- التفاصيل
-
10 آب 2015
- نشر بتاريخ الإثنين, 10 آب/أغسطس 2015 10:02
مما لا يختلف عليه اثنان في هذه البلاد و لا تقشعر له أبدانهما و لا يتجادلان حوله وجود ظاهرة الثراء السريع للأسر و الإفراد ضمن دوائر أسرية ضيقة أحيانا و عشائرية أوسع مرات أخرى في فترة دون سواها يستغني فيها غيرهم في ذات الدوائر
و الأطر و بنفس السرعة المذهلة و في غياب أية أسباب وجيهة لذلك الثراء كأن الأمر لعبة حظ محكمة الأسلوب يختلط فيها القبلي المزمن مع الجهوي المتشابك و الطبقي العصي بالإثني المصاحب للمسار المتخلف من جهة، و متقنة الحبك في ظل التفاهم على قاعدة "يوم لظلمك بلا حدود أو قيود على أفعالك فلا تفوته، و يوم عليك من دون محاسبتك على ما اقترفت و أتيت من إثم النهب و جرم الفساد و قد تجاوزت" من جهة أخرى..
حقيقة قد يجادل فيها المجادلون و لكنهم لن يُسقطوا مطلقا من صلابتها قدر دانق..
حقيقة أيضا مرة بطعم العلقم اشترك في نسجها منذ الاستقلال و بوتيرة ظلت تتزايد حتى خلقت فجوة سحيقة بين الفقراء المحبطين و طبقة الأغنياء المترفين:
• رجال اعتمدوا القبلية لسانا ذربا يذللون به الصعاب و ظلامية تاريخ ما زال نابضا بعنفوان "السيبة" يقهرون بها المستحيل، كما يتخذونها مطية ذلولا يتجاوزون بها المسافات، و ظهيرا سميكا حاميا لهم من غوائل المحاسبة،
• و نساء أطلقن على هواهن فأبلين جرأة و سطوا و أمعن استهتارا و ابتزازا وصولا إلى أبعد المآرب و أكثرها استحالة،
• و غلمان أيفاع على غفلة و تهور أعمارهم مدللين في حمى الأكابر المصفحين ضد سهام الحياء الوطني و عفة الضمير، فأحاطوا جميعهم بكل أسباب التنكر للحق و جرأة الإتيان - في إباحية مطلقة - بكل فواحش النيل من أستار البلد و تعريته من دواعي القيام على أسس صلبة و تبوء مكانة على قدر إمكاناته المذهلة بتنوعها و في استراتيجية موقعه العالية و قلة ساكنته مع ارتفاع محمود لمؤشر نسبة الشباب الذي يفوق الستين بالمائة رغم خور العزائم و انحسار العطاء من تهميش و عدم.
و قد منعت قوةُ حضور "السيبة"، فكرا و نهجا و عملا، الحديثَ عنها و أضعفت كل محاولات كبح جماحها و حسر تلونها و كسر أشواكها، و هي الحقيقة المرة الموروثة عن نظام اجتماعي تراتبي و تركيبة طبقية فظة ثقيلةً لم تشهد كبير تحول منذ الاستقلال إلا لتأخذ أشكالا أكثر إجحافا و أقل ملاءمة للدولة الحديثة التي كان من المفروض أن تنبني على أساس قوة القانون و ما يوفره من عدل بالغ و من حكم بمبادئ الديمقراطية و سلوك المواطنة.
و لأن التاريخ لا يبقى على حاله، و أن التغيير في الأحوال إلى أحسن هو سمة الأمم و بناء الكيانات القوية هو التوجه العام لها، فإن هذه البلاد قد شهدت هي كذلك على مدى العقود الماضية نصيبا لا يستهان به التحولات التي و إن لم تكن مرضية، على الأعم في حال تحريك الواقع، فإنها حققت طفرة في الوعي الطافح بضرورة ذلك التحول ما أوجد و فرض لغة جديدة ثائرة على "استقواء" ميراث الماضي، بصلفه لتجميد حركة الحاضر و كبحه عن المستقبل، وضع علامات جديدة على سكة إضعاف ذلك "الاستقواء" الخارج عن سياق هذا الزمان، و استيعاب أكثر لمعنى وفهم الدولة والديمقراطية و الإيمان القاطع بضرورة قيام سياسة المساواة في الحقوق والواجبات على كل مواطن و كل شبر في الوطن.
و ليس ما يجري من الثراء الفوري لـ"ناس الموجهة" في دائرة امتداد مشهود لما كان و ما زال جاريا - و كأنه أمر طبيعي - مع كل تحول و تعاقب و تزاحم الأنظمة السياسية التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال، إلا ترجمة و إمعانا في إبقاء ذات عقلية "حكم" المفاهيم "الماضوية" في ثوب الحاضر و "مترتباتها" في انسيابية مفروضة بقوة العقلية التي تصنعها و تديرها و بقبول حسن من أهل دائرتها المغلقة.. عقلية لم تعد مع ذلك مقبولة و لا بد من مواجهتها بالوسائل المناسبة الضرورية و مراجعة كل الأمور المشابهة و على الرأسها منها تلك المتعلقة بتسيير المال العام الذي تتحصل منه هذه القوى الظلامية على أسلحة تملكها و سطوتها في التناوب الذي يخنق البلد و وسائل حمايتها من المساءلة و المحاسبة أمام القانون. و في هذا السياق فإنه لا بد إذا من أن تتحدد، بوعي ثاقب تشترك فيه الدولة مع كل القوى الوطنية، محاورُ مفهوم المال العام وحجم ظاهرة نهبه وتبذيره وأشكال هذه الظاهرة وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و أسبابها و كيفية تغييرها.
و معلوم أن أشكال إهدار المال العام تتراوح على كثرتها - في هذه البلاد المرهقة و المعطلة عن استفادة شعبها من الرفاه بفعل نهب أجزاء كبيرة من مداخيلها على نحو ما تقدم و الذي أساء و يفعل إلى تنميتها منذ نشأتها - ما بين:
· السطو المباشر على المال العام و تبذيره عبر طريقة تدبير الشأن العام،
· الاختلاسات غير المباشرة كالصفقات العمومية،
· توجيه النفقات نحو أغراض من المفترض أن لا تصرف فيها تلك الأموال،
· إعطاء الأولوية لأشياء لا تستحق تلك الأهمية،
· الامتيازات لذوي الولاءات و غيرهم من كواسر التملق و جوارح البطانة السيئة،
· استغلال الأملاك العمومية بشكل غير قانوني،
· استغلال النفوذ والغش والتزوير والرشوة،
· الرخص مثل رخص الصيد في أعالي البحار واستغلال المقالع،
· الاعفاءات الضريبية التي تمنح لعدد من الأشخاص في عدد من القطاعات بشكل غير قانوني والتي تنعكس سلبا على مداخيل خزينة الدولة،
· هناك أيضا التملص الضريبي والغش الضريبي،
· إطارات الأجور العليا التي تعطى لكبار المسؤولين والعلاوات والمكافئات،
· الأموال العمومية التي تهدر في إطار ما يسمى بالخوصصة.
عندما ينتقد رئيس الجمهورية أهم وزاراته ونافذته على العالم!
- التفاصيل
-
04 آب 2015
- نشر بتاريخ الثلاثاء, 04 آب/أغسطس 2015 23:43
لم يسبق لي الكتابة في هذا الموضوع لأنى لا أرى أن المجتمع الموريتاني قد بلغ عتبة النضج السياسي حتى يدرك فقه السياسة واكتفيت بالكتابة في المقالات العلمية والفكرية ولكن يبدو أنه لم يعد هناك اهتمام يذكر لغير الساسة والسياسيين..
لنخرق الصمت.. لا للتجريم بالقرابة!!
- التفاصيل
-
30 تموز 2015
- نشر بتاريخ الخميس, 30 تموز/يوليو 2015 16:40
من المؤسف أن نجد أنفسنا بعد ما ينيف على خمسة عقود من الاستقلال نعالج مشاكل مرحلة تأسيس الدولة، عندما كانت القبيلة ونظام الإمارات هما التحدي الحقيقي للدولة الوطنية الحديثة، لكن هذه المرة بفعل نخب باع بعضها نفسه لهواه، وأخرى لم تستسغ أن تغل أيديها عن المال الحرام، وثالثة تعتقد أنها محرومة من المشاركة في غنيمة السحت، ورابعة استمرأت الضرب تحت الحزام لتحقيق طموحاتها السياسية المريضة، وخامسة رضيت لنفسها أن تكون دمى في حرب تصفية حسابات بين رجال السياسة وأرباب المال.
ومما يحز في النفس أكثر، أن بعض هذه النخب لم يكفها نكأ جراح الماضي، بل أثخنت البلد بمشاكل وهمية مستحدثة من قبيل افتعال صراع جهوي ومناطقي وآخر فئوي، لتداري بذلك إفلاسها الفكري، متجاهلة حقيقة أنها تنفخ في قربة مثقوبة.
هل من الصدف في أقل من أسبوع واحد، أن تنشر على شبكات التواصل الاجتماعي معضدةً في ذلك بإعلام خصوصي لوائح تجرم بالقرابة وأخرى بالقرب؟ وكأنها بذلك تريد أن تبقى الثراء والتوظيف حكرا على مجموعات دون أخرى، فمن بين أكثر من 30 ألف موظف، ومئات التعيينات في مختلف المجموعات، لم تلحظ وسائل الإعلام سوى عشرات الأشخاص الذين لا يحق لهم التوظيف في القطاع العام، بسبب جرم القرابة أو القرب من النظام، ومن بين عشرات الأثرياء الجدد هنالك قلة أثرت بلاسبب؟!!! بعضهم صنع ثروته بعصامية، لكن القرابة أو القرب ألقت أضواءا قوية كاشفة على هذه الثروة لتثير الريبة حولها وتضخم من حقيقتها رغم أنها في الواقع قد لا تكون كذلك، و آخرون تم قسرهم على دخول لائحة الإفك، كل ذلك دون بينة وفي غياب الأرقام والوثائق. والأسوأ من كل ذلك أن لا نبين السبب غير الشرعي لهذا هذا الثراء وبدلا من ذلك تم اعتماد روايات تفوح منها رائحة الافتراء وتصفية الحسابات.
أحدهم قبل فترة قصيرة خلال حوار عام، أبدى رفضه لأن أدافع عن الإنجازات بحجة أن القرابة تجرح شهادتي، إلي أي حضيض من الإسفاف يمكن أن يصل بنا إليه هذا المنطق؟
لقد اعتقدت دوما أن القبلية والجهوية فرسا رهان لمنعدمي الكفاءة وضيقي الأفق، لكن أن تتصدر المشهدَ الإعلامي مقالات وتقارير صحفية وتدوينات تتصدى في ظاهرها للكشف عن بؤر الفساد ومكامن المفسدين، وفي باطنها تستهدف مجموعة معينة ومناصرة طبقة رجال الأعمال القديمة ضد منافسيها الجدد، شيء يبعث على ضرورة إطلاق إنذار تحذير موجه لنخب هذا البلد بخرق الصمت حول هذه الظاهرة رفضا لبث فوبيا التجريم بالقرابة أو القرب والابتزاز بهما، فنفس السلاح المشهر اليوم في وجه النظام يمكن أن يرتد إلى صفوف خصومه، حتى وهم داخل المعارضة من قبل صيادي المياه العكرة داخل هذه الصفوف بناء على الخلاف في الطرح.
من حق كل منا أن يبني لنفسه ثروة في ظل احترام القانون، تماما كما يجب أن نكسر احتكار الثراء في ثلة قليلة أثرت في ظروف نجمع على أن الشك يشوبها.
من حق كل موريتاني أن يوظف ويعيَن في ظل احترام القانون اعتمادا على كفاءته وقدراته دون أن تكون قرابته أو قربه من النظام أو معارضة أحد أقاربه مثلمة في حقه.
للموريتاني أن يعرف كل الأثرياء الجدد دون انتقائية تنم عن استهداف، كما له أن يعرف مصدر هذه الثروة اعتمادا على الوثائق والأدلة، لا على أساس جمل عائمة وكلمات مبهمة وشائعات يروج لها منافسو وخصوم رجال الأعمال الجدد، احتراما للرأي العام وكشفا للحقيقة لا بعثا للحقد والضغائن نفخا في نار لن يسلم من لهيبها أحد.
لكل موريتاني أن يعرف كل التعيينات دون استهداف مجموعة بعينها والكشف عن غير المستحق منها بناء على انعدام الكفاءة أو الشهادات دون اعتماد القرابة مؤشرا على عدم الاستحقاق.
على الجميع وخصوصا النخب أن تدرك خطورة هذا الخطاب الذي لا يمكن لأحد أن يكون بمأمن منه فإن لم يكن اليوم فغدا مما سيدخلنا في دوامة لا يمكن الخروج منها.
وعلى النخب أن تقف بحزم في وجه هذا الخطاب السفيه، فللناس أسماء شخصية يمكن أن تٌعرف بهم، دون أن تربط هذه الأسماء بجهة أو جماعة أو شخص آخر، وهي المسؤولة بشكل شخصي عن كامل أفعالها، كما أنها هي وحدها من يغنم ويجب أن يغرم من جراء تصرفاته فمن غير المقبول أن نكيل بمكيالين وأن نذكي الخطاب المجموعاتي البغيض بل علينا أن نرفضه كما نرفض الخطاب الفئوي والعرقي، فمن تلك القطرات سال هذا الوادي.