انها حكومة خارج التوقعات!

لقد أصبحتُ أكثر قناعة بأنه لا أهمية ترجى من التحليلات ولا من القراءات التي تعقب أي تعديل حكومي، خاصة في مثل هذا العهد الذي يقوده رئيس كان قد عودنا منذ وصوله إلى الحكم على أن يتصرف بمزاج متقلب، وبطريقة مربكة، لا يمكن أن يستقيم معها أي تحليل، ولا يمكن أن يتم إخضاعها لأي قراءة منطقية.


إن تعيين وزير أو إقالة آخر لا يمكن أن نفسرها في هذا العهد بأي تفسير منطقي، سوى أنها عملية تخضع للصدفة، وللحظ، ولتقلبات مزاج الرئيس، لا أكثر ولا أقل.


ولتأكيد هذا الكلام دعونا نتوقف مع جملة من الأمور التي تؤكد بأن "حكومة ولد حدمين"، أو حكومة "ما بعد منتصف الليل" هي الحكومة الأكثر خروجا عن المألوف، وهي الحكومة التي لا يمكن إخضاعها لأي منطق سليم، لا من حيث تشكيلتها، ولا حتى من حيث توقيت الإعلان عنها.


إن اختيار "ولد حدمين" كوزير أول قد شكل صفعة قوية لكل التوقعات المبنية على منطق سليم، وهي صفعة أعقبتها صفعة أخرى عند الإعلان ـ وفي وقت متأخر من الليل ـ عن الأسماء المشكلة لحكومته.


فإذا ما بدأنا باختيار "ولد حدمين" كوزير أول فسنجد بأن اختياره كان قد خرج عن المنطق وعن المتوقع في أوجه كثيرة لعل من أبرزها:


1 ـ يكفي أن نتتبع ما كانت تنشره المواقع في الأيام الماضية، والتي كان أغلبها يتوقع التمديد ل"ولد محمد الأغظف"، في حين أن عددا من تلك المواقع توقع أسماءً أخرى، فكان لكل موقع منها وزيره الأول الخاص به، ولكن الاسم الذي لم يستطع أي موقع أن يتخيله، ولا أن يتوقعه، ولا أن يتكهن به كوزير أول، كان هو اسم "ولد حدمين".


2 ـ وإذا ما تجاوزنا تكهنات وتوقعات المواقع التي لا يمكن أن يتم الاعتماد عليها في أي تحليل سليم، فيمكننا أيضا أن نذكر بأن من بين الأسباب المنطقية التي كانت تحول دون تعيين "ولد حدمين" كوزير أول هو هذا الحديث الواسع الذي سبق تعيينه عن تجديد الطبقة السياسية، والذي جعل البعض يتوقع بأنه إذا ما تمت إقالة "ولد محمد لغظف" فإن الوزير الأول البديل سيكون حتما أصغر سنا، فإذا بالبديل يكبر الوزير الأول المقال بأربع سنوات حسب المنشور في السيرة الذاتية للرجلين، وعليكم أن تتذكروا جيدا بأن أصغر وزير أول سنا كان هو "الزين ولد زيدان" الذي عينه الرئيس السابق، وهو الرئيس الذي لم يَعِد يوما بتجديد الطبقة السياسية.


3 ـ لقد توقع الكثيرون أن يتم الاحتفاظ بالوزير الأول لأن له صلات مقبولة بالمعارضة، أو أن يتم تعيين وزير أول أكثر صلة بالمعارضة، وذلك لأنه كان من المتوقع عند أغلب المراقبين بأن السلطة ستسعى في بداية مأموريتها الثانية إلى إطلاق حوار جديد مع المعارضة، ولذلك فلم يكن متوقعا على الإطلاق أن يتم تعيين "ولد حدمين" كوزير أول فالرجل معروف بحدته، وبسرعة غضبه، وبعدم قدرته على خلق أجواء حسنة مع المعارضة، تعزز من الثقة، وتساعد بالتالي على فتح حوار جديد مع المعارضة.


4 ـ ويبقى التبرير الوحيد الذي قدمه البعض لتفسير اختيار "ولد حدمين" وزيرا أول هو نجاحه في قطاع التجهيز والنقل، ذلكم القطاع الذي سيبقى من أهم القطاعات التي تحققت فيها انجازات ملموسة في المأمورية المنتهية. والحقيقة أن ما تم انجازه من طرق لم يعد مقنعا لأي أحد، خاصة بعد أن كشفت الأمطار على أن ما تم انجازه لم يكن بالمواصفات المطلوبة، ثم إن شق الطرق في العاصمة من قبل إنشاء صرف صحي يعد هدرا وتبذيرا للأموال، وذلك لأن تلك الطرق ستكلف مبالغ إضافية لإعادة ترميمها مع كل موسم أمطار .


ولعل من المصادفات اللافتة أن يوم تعيين الوزير الأول الجديد كان قد شهد هطول أمطار على العاصمة مما أظهر أن هذه الطرق التي تم تشييدها لا يمكن أن نفتخر بها من قبل إنشاء صرف صحي، ثم إن شق الطرق وتشييدها يهدف في الأساس إلى أمرين اثنين وهما: توفير انسيابية في حركة المرور، وخفض كلفة النقل،
ومن المعلوم بأن العاصمة لم تشهد زحمة كالتي عرفتها في السنوات الأخيرة، ولم تعرف ارتفاعا في أسعار النقل كالذي عرفته في الفترة الأخيرة.


وإذا ما تركنا المفاجآت التي خلفها تعيين الوزير الأول، فسنجد بأن الحكومة هي أيضا قد خالفت التوقعات والمنطق السليم في أكثر من وجه، ولتبيان ذلك دعونا نتوقف مع الملاحظات التالية:


1ـ لم تعكس هذه الحكومة مستوى العلاقة القوي الذي يربط بين الرئيس وقائد الجيوش، فقائد الجيوش كان قد خسر أحد رجالاته وهو الرئيس السابق للحزب الحاكم الذي تمت إقالته في وقت سابق، كما خسر في هذه الحكومة آخر ما تبقى له في الحكومة : الوزيرة المقربة منه اجتماعيا، وكذلك وزير الدفاع، ومن المعروف بأن وزارة الدفاع كانت قد أصبحت في "عرف التعيينات" من الحقائب الخاصة ب"ولد الغزواني" منذ انقلاب 3 أغسطس 2005.


2 ـ كان من المفترض ومن المتوقع أن تأتي هذه الحكومة بالجديد خاصة أنها أول حكومة في مأمورية جديدة، ولكن ذلك لم يحصل إطلاقا بعد أن تم الاحتفاظ بثلثيها، أما الثلث الذي تم استبداله فإنه أيضا لم يأت بالجديد، وإنما جاء بخلف من الوزراء لا يختلف في أي شيء، لا في أي شيء، عن سلفه من الوزراء.


3 ـ لقد تم الاحتفاظ في حكومة "ولد حدمين" بالوزراء الأكثر فشلا في حكومة "ولد محمد الأغظف"، سواء كان ذلك الفشل على مستوى القطاعات التي تم تكليفهم بتسييرها، أو كان على مستوى المهام السياسية والانتخابية التي تم تكليفهم بها، وإذا ما عدنا إلى الوزراء الذين تمت إقالتهم فسنجد بأن ثلاثة منهم كان قد تم تعيينهم منذ أشهر فقط (ولد محم، ولد عبد المالك، منت آكاط)، وبالتأكيد فإن هؤلاء الثلاثة لم يكونوا هم الأكثر فشلا في تسيير قطاعاتهم، ولم يكونوا هم الأكبر سنا، ولا أحد يعرف لماذا تمت إقالتهم، ولا لماذا ترك آخرون في أماكنهم، وهم أكثر فشلا، وأكبر سنا، وقضوا مدة أطول وهم وزراء. فإذا ما أخذنا "ولد محم" على سبيل المثال فسنجد بأن هذا الوزير الذي خسر مقعده الانتخابي من أجل الوزارة كان من أكثر الوزراء حضورا، وكان من أكثرهم دفاعا عن السلطة، وكان من أوضحهم خطابا، ومن أبلغهم حجة، فلماذا تمت إقالته؟ أوَ ليس هذا الرجل هو الأنسب ليكون ناطقا باسم الحكومة؟ خاصة إذا ما علمنا بأن كل ما يحتاج إليه الناطق باسم الحكومة من صفات ومؤهلات (خطاب قوي وحجة قوية) كان يتوفر لدى "ولد محم" أكثر من غيره.


4 ـ لقد غاب عن هذه الحكومة كل أولئك الشباب الذين أبلوا بلاء حسنا في لقاء الشباب وفي حملة الرئيس، فكيف يتم تغييب شباب "أنتم الأمل" في مأمورية يقال بأنها ستكون مأمورية تجديد الطبقة السياسية، ومأمورية إشراك الشباب في الشأن العام؟


وحتى لا تختلط الأمور لدى البعض، فإنه لابد من قبل اختتام هذا المقال أن أنبه إلى أني كنتُ من أشد منتقدي لقاء الشباب، وكذلك من أشد منتقدي الوزير "ولد محم"، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة إنكار أن بعض الشباب المشارك في لقاء الشباب كان قد بذل جهدا كبيرا في إنجاح ذلك اللقاء، وفي إنجاح حملة الرئيس، وأن الوزير "ولد محم" كان قد بذل هو أيضا جهدا كبيرا في الدفاع عن النظام وعن سياسته، وقد أظهر مهارات وقدرات لافتة في هذا المجال.


وفي الأخير فإنه لابد من القول بأن البحث عن أي تفسير منطقي لإقالة "ولد محمد لغظف"، مع إبعاد الوزراء المحسوبين على "ولد غزواني" من حكومة "ولد حدمين" قد أجبرني للعودة سنتين إلى الوراء، وإلى خلاف هادئ في ظاهره، ساخن ومعقد في باطنه، كان قد حصل بين الوزير الأول وقائد الجيوش بعد حادثة إطلاق الرصاص على الرئيس في 13 أكتوبر 2012.ولكن هذا التفسير يصطدم هو الآخر بعقبة أخرى، وهي أنه ليس من سلوكالرئيس "ولد عبد العزيز" أن يؤجل أية ردة فعل لحولين كاملين، فالرجل
معروف بسرعة ردود أفعاله، ولا يهمه في العادة ما سيترتب من مخاطر على ردود الأفعال تلك، وتلك الصفة تبقى تمثل واحدة من أقوى نقاط القوة لديه، أو تمثل واحدة من أقوى نقاط الضعف لديه.


حفظ الله موريتانيا..


محمد الأمين ولد الفاضل

الوزير الأول يحيى ولد حدمين: ضربة معلم / الولي ولد سيدي هيبه

حسنا فعل رئيس الجمهورية بأن عين وزيرا أولا من غير الذين هيأتهم بأساليبها عديد اللوبيات، السياسية "الكانتونية" في الأغلية و في المعارضة المتحايلة جميعها على الإدراك المجتمعي العام و بكيد دعاياتها "الغرضية" المربكة، حتى يقطع الطريق على مشاريعهم ذات الشعب المتباينة إلى الطموحات الضيقة في أهدافها من ناحية، و المتلاقية عند نقطة احتجاز الوطن داخل حظائر سرايا أحلامهم الخاصة من ناحية أخرى.
و حسنا فعل أن اختار رجلا غير ملطخ برواسب و أدران الفترات الماضية التي لا شك ستسيل يوما الكثير من الحبر و تفتح الباب أمام مراجعات ضرورية باتجاه دعم الحرب على الفساد و المفسدين و التي آتت بعض أكلها خلال المأمورية المنتهية. و هي الحرب الهامة و التي لا بد أن تظل هدفا متقدما و ملازما لكل مراحل تنفيذ البرنامج التنموي العام.
و لما كان الدكتور مولاي ولد محمد لغظف قد أبلى بلاء حسنا خلال قيادته للحكومة طيلة الفترة المنصرمة و هو الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان، فإن فترته تلك قد شكلت مخبرا حقيقيا لصناعة و إرساء قواعد "الاستقرار الحكومي" إن جاز التعبير، بحيث توقفت معه فوضوية الترحال ما بين القطاعات و عبثية استبدال و تجديد الوزراء. و هو الأمر أيضا الذي كشف عن إضعاف ملموس لقوة التيارات النشطة بكل اتجاهات النفوذ القبلي و الإثني و الحقوقي و الرأسمالي، مما خلق هامشا معلوما لإضفاء المصداقية على الوزراء و قد ترك لهم حيزا محسوسا من الوقت يؤدون فيه المهام الموكلة إليهم. و لا شك بعيدا عن التأثيرات من أي نوع كانت من الاعتراف بأن هذه الحكومة و بغض النظر عن بعض الهفوات و التعثر الملحوظ في عمل بعض القطاعات و النقص المدرك في أصناف من الخدمات، قد حققت قدرا معتبرا من الانجازات الحيوية الكبيرة و أشاعت أجواء غير مسبوقة من الأمن خففت إلى حد بعيد ما كان قائما قبل ذلك من التوتر و الاحتقان.
هي إذا فترة تحسب لقيادة رجل تميز بـ"العملية" أكثر من الحضور "النظري" حتى نأى بنفسه على إثر ذلك عن المعارضة التي كادت لا تجد له ما تؤاخذه عليه اللهم في السياق العام لخطابها المعارض.

و لم تكن الظروف التي تم خلالها اختيار الدكتور ولد محمد لغظف بأقل "مخبرية" من الوقت الحالي حيث غيبت أحزاب معارضة قوية نَفسَهَا عن الحراك الجديد و أخذ النسيج السياسي شكلا مغايرا مع دخول مستجدات لها أبعاد ها في حسابات العملية السياسية  التي منها معالجة المعطى الحقوقي و تجديد الطبقة السياسية. و هي المرحلة التي تتطلب بهذا الوجه الجديد دخول رجل جديد له هو كذلك أن يشكل حكومة تلائم المرحلة الجديدة و تأخذ بمقتضياتها البلدَ إلى آفاق جديدة من التنمية العادلة في ظل تحول سياسي متحرر من القيود التقليدية و منفتح على كل القضايا الوطنية العالقة.

الشباب ومراكز القرار / د. أحمدو ولد فال

ظل الشباب الموريتاني خلال العقود الماضية يذاد عن مراكز القرار, التنفيذي منها والاستشاري بشكل ممنهج, فالجيل الذي حكم البلاد في تلك الحقبة كان له ما يتكتم عليه من دكتاتورية وفساد بالإضافة إلى ملفات أخرى أبى علي الحفاظ على وحدة الوطن وتماسكه أن أذكرها.

سد جيل الحكم هذا كل الأبواب ـ بإحكام ـ دون الشباب جاهلا أو متجاهلا أن هناك أبوابا تفتح بالتلازم العكسي مع الأبواب التي أوصدوها. فتحت تلك الأبواب وخرج شباب فإذا أرض فسيحة رحب عالية الخصوبة تنبت أشجارها ونجومها على اختلاف أنواعها وأحجامها أعداء هذا الوطن الحبيب, أرضه وسيادته, اقتصاده وثقافته, وحدته الدينية والوطنية.
1ـ الباب الجنوبي: تسلل عبر هذا الباب شباب تم التغرير بهم إلى تنظيم القاعدة...... قتلة متوحشون التحكم في مبادئهم فاستأصلوا منها الدعة والحنان والرحمة التي تربوا عليها داخل بيوت آبائهم ورسخها الشارع الموريتاني المسالم المسلم وزرعوا مكانها الوحشية والعداء للإنسان.
أصبحت موريتانيا هدفا فكانت عملية لمغيطي والغلاوية وألاك... ساد الرعب, تملك الخوف قلوبا لا تملك من الأمر شيئا, تدمر قطاع السياحة, توقفت الاستثمارات الأجنبية وساءت سمعة البلد.
فمن المسؤول؟؟؟؟
2ـ الباب الغربي: من هذا الباب خرج شباب إلى مستنقع الإلحاد والتطاول على المقدسات الدينية ومستنقع الدعوة إلى التفرقة العنصرية والعرقية من جهة أخرى.
سُب من لا ينطق عن الهوى ومن هو على خلق عظيم رسول الله صل الله عليه وسلم فاحتقن الشارع وتلولدت موجة ركبها الانتهازيون كل حسب وجهته ومبتغاه.
مُزق كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فتولدت موجة أخرى وظهرت كيانات لها خلفياتها وارتباطاتها الدولية والإقليمية. شاعت دعايات عنصرية ، عرقية وطبقية تلتقي أهدافها في تفكيك المجتمع الموريتاني وإذكاء شرارة النعرات. ساد جو من الفوضى وتولدت موجة.
فمن المسؤول؟
3ـ الباب الشرقي: خرج الكثير فإذا مزارع الإسلام الحركي "زرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه" أعجبتهم خصوبة أرضه "فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم" غدوا فزُودوا بأجود البذور وأكثر آلات الزراعة الفكرية تطورا. تأسست الجمعيات (الخيرية والدعوية) واتخذت المساجد مقرات ، كاد المذهب المالكي يختفي. نودي برحيل النظام. دعي الشعب إلى الثورة فأبى، ثارت مصر فتحركت المدينة "المصر قطرية" نواكشوط.
فمن المسؤول؟
4ـ باب الأمل : منذ فترة قصيرة دخل مصطلح الأمل إلى مركز القرار فسميت خطة دعم بعض المواد الغذائية "خطة أمل" ولكن أمل الشباب ظل كما كان إلى أن أعلن عن لقاء يجمع الرئيس بالشباب لإشراك الأخير في العملية التنموية , إعلان أحدث في الباب فرجة قبل أن يفتح تماما بالإعلان عن إنشاء هيئة استشارية عليا "المجلس الأعلى للشباب" وعزم الرئيس تسليم السلطة للشباب.
فها هو الشباب الموريتاني كله أمل في أن تكشف الأيام القادمة عن مجلس يمثله كفاءة وقوة, مجلس اختير على أساس الكفاءة العلمية, مجلس قادر على إقناع كل الشباب بحمل راية التنمية وصد الهجمات التي يقام بها  ضد أمن واستقرار البلاد ووحدتها الوطنية والدينية بدل استخدامه ـ كما كان عليه الحال أيام لا أمل ـ وقودا لها

المعطى الحقوقي أبرز تحديات المرحلة القادمة / الولي ولد سيدي هيبه

مر شهر رمضان العظيم بنفحاته الربانية مرور الكرام و مضت بذالك فرصة لن تتجدد إلا بعد سنة كاملة بأشهرها و أيامها و ساعاتها و لم يشهد الواقع السياسي الهش و المذبذب أي مبادرات تبشر بتصحيح المسار و بسمو "الساسة" عن حضيض المهاترات و الملاسنات و الجدل العقيم إلى مراقي صيانة الوطن و بناء المواطن الموريتاني الممزق الأوصال و المقسم بين رواسب التخلف العنيدة و عمق الاختلالات في حاضره العصي على التأقلم مع معطياته و الضعف عن امتلاك آلياته.
كما لم يسجل الوضع الاجتماعي المتسم بالضياع و تصدع جدار بنيته في الأساس و تخلخل الموازين و تلاشي المنطلقات و ضعف الثوابت و تلاشي المراجع أي تحسن من شأنه إذكاء جذوة أمل في حالك الواقع المغيبةِ حقيقتُه القاسية، و أن تفادي "منحدر الضياع" ما زال ممكنا و دحضَ التشاؤم مستطاعا.. و قد اختفت طيلة الشهر المعالجات العميقة و التوجيهات الملحة و الجريئة وراء مظهرية من المسابقات القشرية و موائد الإفطار المُسَيسة غالبا  و الربحية أحيانا وسط شح باد من المحاضرات الرصينة و غياب ملحوظ للدروس التي تؤثر في النفسية و المسلك و تسمو بالمتلقين درجات إلى الأعلى لمواجهة نقاط الضعف في العقيدة و حول ما تجتمع على دربه الأمة حتى تشعر بالمساواة في الحقوق و وجوب استجابتها لتأدية الواجب المشترك.  
و أما الوضع المادي و المعيشي لأغلب شرائح المواطنين فإنه لا يزال يراوح مكانه بسبب سوء توزيع الثروات من ناحية، و المعنوي في ظل غياب الرعاية النفسية لها متخلخلة و مصدومة منذ بداية و طيلة عقود الاستقلال الخمسة التي تزيد و قد مرت خلالها البلاد:
* بامتحان جفاف مزمن و قاسي و اصطلت بنار حرب ضروس،
* و بقيت عن الركب الأممي بسبب انقلابات متلاحقة و دامية أحيانا،
* و اختلطت أوراقها و تأثرت وحدتها و تصدعت لحمتها بسبب أزمات سياسية حادة و اجتماعية خانقة و مريرة.
و ما تزال الوضعيتان المادية و النفسية قائمتين على أشدهما في حل من أية حلول:
·        من فرط سطوة النهب و الفساد - على الرغم من بالغ الجهد الذي بذل لمحاربتهما- و رأس مالهما "المدلل" بأيدي ثلة من الأولين منغمسين في ملذات حياة افتقدوها وقلت حيلتهم عنها، و ثلة من الآخرين صبية مغمورين و نساء أطلقن على عواهنهن؛
·        و من قوة النفوذ القبلي و العشائري في دائرة مجموعات أسرية ضيقة و لو لم يكن لحظة هذا النفوذ -  حتى من أيام الهيمنة على الدولة المركزية كما كان الحال قبلها-  منصفا في صميم التركيبة القبلية العشائرية التفاضلية في بنيتها العامة، و كذلك عند الزعامات في بنيات الإثنيات من نفس الزوايا على حساب جماهيرها الموصومة بـ"لعنة الطبقية " من جهة ثانية... و ما استشراء هذا الفساد و سطوة النهب، الصارخين الطافحين و رأس مالهما الخارج على القواعد الملتزمة إلا الأسباب التي تكبح مجتمعة كل جهد يسعى إلى تنمية هذه البلاد الزاخرة بمقدرات متنوعة لا حصر لها على أرض معطاء، و إلا المصير في دائرة الاختلال القائم في بعديه الوظيفي و العقائدي و ينتميان بسخرية مقيتة لعقلية بائدة و لأزمنة غابرة.
و لإن كان الشهر الكريم لا يبخل مطلقا و في كل مرة تستقدمه سنة الله في زمنه على الجميع بجزيل معانيه و سمو تعاليمه، فإن الاستجابة لفيض رسالته الروحية المعنى المقصد و المادية المبتغى و النتيجة لم تتبع بما كان ليكفل حتما الطمأنينة لأفراد الشعب المضطرب و لو أن تجاهل واقع ذالك الاضطراب بات ضربا معهودا من "المُتعمد" المزمن. 
إن كل المؤشرات تدل على أن بلادنا مقدمة في قابل الأيام على تحولات لن يكون لها "دولة" و لشعبها "أمة" قبلا بها إذا ما ظلت السياسة على ما هي عليه من تحجر و تدار على هذا النحو من الارتجالية في التعاطي و السطحية في المعالجة و السذاجة في التقدير و الاستشراف. و إن كل الدلائل كذلك تدين، على حد سواء، جميع المتسابقين في مضمارها المختفي المعالم، و المتصارعين في حلبتها الخالية من الحكام الأكفاء، البعيدة عن أنظار المتفرجين من أفراد الشعب المغلوبين على أمرهم، المغيبين عن شأنهم و قد عج ببوادر أزمات اجتماعية بالغة الخطورة و منذرة بأخطار بالغة قد تفتح الباب على احتمالات لا تحمد عقباها إذا لم تتخذ إزاءها المواقف الحكيمة و بشأنها الإجراءات الضرورية الصارمة و في هذا الظرف الفاصل بين طفح الكيل و وجود حيز و فرص للإمتصاص.
إلى هذا ستكون المسألة الحقوقية، و بقوة - كما ظلت في الواقع المغيب عن الإدراك السليم و دائرة العمل السياسي الوطني النبيل - لوحدها أكبر عامل تحد سيبصم تميزه و جديته على المرحلة القادمة في ظل تداعيات ما هو حاصل من اختلالات المشهد السياسي الكثيرة و تشعب أوجه تفاعلها السلبية خارج نطاق السيطرة و التصويب بما كانت تستحقه و تفرضه، فيما لم يبد و لو لحظة الاهتمام بها أمرا جوهريا في لب دائرة التعاطي الحاصل لما ظل يتمحور حوله كله في سباق محموم إلى السلطة غاية و نهاية. و إن المتتبع عن كثب لما تمرره جهات لا تخفي الذي تحمله من دعاية حانقة و أتهامية بأكثر من الواقع في منحى لا يخفي عنصرية و رغبة إقصائية مفضوحة لا بد أن يدرك ضرورة المراجعة الشاملة و تحديد منطلقات جديدة لقراءة موضوعية للواقع الجديد و رسم خارطة المستقبل في ظل استدراك الحاضر.
و لقد أَشرت بوضوح على هذا المنحى انتخابات 21 يونيو 2014 و غيرت مفاصل الخطاب السياسي و حتوياته و أولوياته و مقاصده بما لا يدع أدنى شك عند المراقبين و المهتمين بالشأن الموريتاني على المستويين الداخلي و الخارجي.
أو لم يظهر على السطح بمنطق أكثر إلحاحا من ذي قبل و بلغة أغزر في المنحى الاصطلاحي الحقوقي حيث دخلت مفردات جديدة زادت حجم التقطيع في التركيبة المطلبية من إثنية و شرائحية ظلت مقتصرة على الأرقاء السابقين إلى شرائح أخرى موصومة في الهرميات الاجتماعية بالدونية و السلبية؟
و بما أن الأمر كان كذلك فإن المعارضة المقاطعة لهذه الاستحقاقات قد تفاجأت بما تأثرت به كثيرا دعوتها الموجهة إلى مناضليها و غيرهم بالإحجام عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية، من هذا المد التعبيري الجديد في دائرة الأخذ بالخطاب ذي الطابع الحقوقي عن الوحدة الوطنية و السلم الاجتماعي. و هي المعارضة بكل أطيافها المتباينة الخطابات الفلسفية و المشارب الفكرية التي تجد اليوم نفسها في مفترق طرق بين مرحلة ولت و أخرى بدأت معالمها تتضح بحلتها الجديدة و اهتماماتها المتولدة عن قناعات تمخضت عنها معطيات رأت النور من رحم التراكمات و التحولات التي لم تهدأ يوما و إن كانت مطبوعة بالخجل. و العجيب المذهل أن هذه التحولات على بطئ مسارها إلا أنها كانت لافتة و في بعض مناحيها مجلجلة و لم تستحدث منطقا معالجاتيا إن جاز التعبير من أي جهة كانت حتى تلاحقت التراكمات و برزت أوجه الأزمات و التداعيات. هل هي السذاجة السياسية في أطوارها البدائية؟ أم هل أنه عمى الألوان السياسية الذي يخلطُ حقائق الأمور بما يكون من التباسها في دائرة اضطراب التحديد؟
و بالرغم من أن شهر رمضان الذي كان علاوة على بعده الروحي الأزلي، أيضا فرصة ذهبية سانحة للعمل السياسي الرفيع تحف أهله بركاته و تطلق إلى الخير و الصفح و النصح أياديهم بيضاء من غير سوء و لأفواههم، الصائمة عن لغو الكلام و دنيئه، الكلمة الطيبة الصادقة.
و لأن شهر رمضان كان أيضا شهر ابتلاء و امتحان و بداية عتق للفلسطينيين من ربقة المحتل الصهيوني الغاشم، فإنه كان كذلك مناسبة، لا قبل للسياسيين بها، لتوضيب البيوت و تجاوز العقد و استلهام الدرس السياسي الوحدوي الجهادي "الغزاوي" لتصحيح المسار و التأصيل لخطاب جديد يحدد أولويات الوطن و يترك الخصوصيات في العمل للتنافس الإيجابي البناء في فضله المطلق.
و لكن و عوضا عن ذلك فقد آلت المسيرة التي نظمتها جهات عديدة نقابية و سياسية و من المجمع المدني لنصرة غزة و مؤازرة أهلها و مجاهديها في وجه العدوان الغاشم و بطش آلة الصهاينة العتاة، إلى مهاترات و سباق غير لائق و كر و فر بعيدا عن روح المسيرة و مساسا بمشاعر أهلها المعذبين على أديم أرضهم الزكية و اعتداء على حرمة شهر رمضان و تعاليمه و توجيهاته.
و قد بدا هذا التصرف و كأنه ثغرة في نضج الطيف السياسي و هشاشة مرتكزات المواقف المشتركة التي تثبت على العادة صلابة عود التشكيلات العتيدة و أصحابها المرموقين. ثغرة كادت أن تخيب الآمال التي نسجت حول المسيرة و مقاصدها النبيلة لولا لطف الله و انفلات أمور القيادة المطلقة من أيدي أصحاب هذا الجدل الهستيري الذي لا يهدأ لأهله بال و لا تقف في وجوههم أية إرادة لحق مجرد أو هدف عام.
و لكن المسيرة "الغزاوية" هذه استطاعت أن تستمر إلى غايتها و أن تكشف لذلك و بجلاء عن أمور ثلاثة بالغة الأهمية سيسجلها التاريخ للمرحلة القادمة و تلعب دورا محوريا في سياق ما سيكون من قراءة غير نمطية للمعطى السياسي الجديد:
·        أولها أن ثمة أمورا يحصل عليها تلقائيا إجماع الموريتانيين بكل لون طيفهم الإثني و الطبقي،
·         و ثانيها أنه في مثل هذه المواقف و التوجهات لا سلطة تطغى على إرادتهم و توجهاتهم،
·         و ثالثها أن ضمير الاستجابة للقضايا العادلة نابض بالحياة لديهم لا تثنيه عن الوقوف مع كل قضية عادلة أية جهة أو سلطة.
و هي أيضا الأمور الثلاثة التي سينبني عليها حتما هذا المنعطف الجديد وبذلك تتعرض الخارطة القائمة بكل دعائمها المتآكلة عند قواعدها و المتهرئة في مرتكزات أسقفها رغم ما تبديه من صلابة و تحدي لعوامل التغيير و متطلبات عدالة دولة القانون التي وحدها تستطيع أن تُظِل الجميع و ترد لدين الإسلام القيم كل اعتباره على أرض مهدها و أعد ما حَولهَا لإتباع شريعته و لأداء كامل دوره المحوري في حياة الأمة.. دولة تخاطب دونما تناقض أو تعارض في ذلك مع العصر بلغة الديمقراطية.

حول جدلية "بيظاني-حرطاني"

كثر الحديث  مؤخرا -في وسائل الإعلام الحرة الموريتانية-  عن  جدلية "بيظاني-حرطاني"، خاصة فيما يتعلق بالسؤال "هل "الحراطين" مكونة من المكونات التقليدية  لمجتمع "البيظان"، مثل "إيكاون"  و"اشرفه" و"لمعلمين" و"لعرب"

اِقرأ المزيد...

تجديد الطبقة خيار لارجعة فيه / الدكتور أحمد ولدعلال

تمر موريتانيا بفترة سياسية تختلف عن فتراتها الماضية شكلا ومضمونا ،لذلك لن يكتب لأي حركة إصلاحية النجاح دون أن تعتمد على الشباب ، لأن أمة لاتتجدد محكموم عليها بالفناء .

هذا ماأكده فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في أكثر من مناسبة،

وهو خياره الحقيقي منذ وصوله لسدة الحكم في البلاد ،وهو على مايبدو شعار لم يرق للحرس القديم مما جعله في صراع غير معلن مع توجه الرئيس.

 

  إن القصد من تجديد الطبقة السياسية ليس ترفيها فكريا ولاسفسطة تمويهية ، بل هو حل جذري لسلسلة من المشاكل التي تطوق عنق الوطن وتمنعه من أن يبارح مكانه منذ نصف قرن من الزمن،وهنا لابد ان أنوه بأن يكون المقصود من تجديد الطبقة السياسية ليس تجديد وجوهها فقط ،بل الأساس والمطلب والهدف هوتجديد عقلياتها وأساليبها ورؤاها، وإن كان من الضروري بمكان ضخ دماء جديدة في إدارة الدولة لتشكل رافدا قويا لترسيخ العقلية الجديدة ،من أجل خدمة المواطن والتقرب منه ، بدل تهميشه وازدرائه والشطط في استعمال السلطة ضده . ــ رغم أن الشعب هو مصدر جميع السلطات والإمتيازات التي يتمتع بها الجميع ــ.

 

 منذ تسلم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز مقاليد السلطة في البلد وهويحاول جاهدا انتشال الشباب من الوضع المزري الذي يعيشه ،فدعاه أكثر من مرة لتحمل مسؤوليته تجاه بلده ،ودعاه لخوض غمار السياسة ، ودعاه لتقلد المناصب ،وجلس معه وجها لوجه ودون أي وسيط، واستمع إليه واستلم منه المطالب والمقترحات يدا بيد ،بل أكثر من ذلك فقد تعهد له بأن تكون هذه المأمورية مأمورية تجديد الطبقة السياسية.

فلم يعد سرا إذن أن فخامة الرئيس تعهد بتمكين الشباب ،ولم يعد يخفى على أي أحد أنه يعمل على تجديد الطبقة السياسية ،الأمر الذي ترتعد منه فرائص كثيرين ممن مردوا على النفاق واحْلوْلوْا الفساد وأكل المال العام ،وبطشوا سرا وعلانية .

لقد أكد فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ثقته في الشباب وإيمانه بهم  في آخر مهرجان بحملته الرئاسية إذ تعهد بتسليمهم السلطة، وأشاد بهم في لقائه بطاقم الحملة، لكن الكثيرين لم يفهموا ذلك ولم يتعاطو مع هذه الرسالة القوية لأن معاقل النفوذ لا تريد لدوي هذا الشباب أن يتردد في مراكز صنع القرار  .   

                      

 ومعروف أن من شاخ في السفاهة، و شب على استحلال ممتلكات الدولة واستغلال النفوذ عصيٌ عليه العودة لدروس التربية وتلقي التكوينات في حسن التسيير والشفافية.

لابد هنا أن نسجل بارتياح شديد أن المسألة ليست صراع أجيال كما يظن البعض ، وإنما هي تباد للمسؤوليات ، بين جيل خدم وضحى وبنى ، وجيل متلهف لإكمال تلك المسيرة التي بدأها الآباء ، ويملك من القوة والتضحية والمسؤولية مايؤهله لذلك.

 

 

 

 إنما يترقبه المشهد السياسي هو القطيعة مع أباطرة الأنظمة الماضية والمفسدين وأصحاب الجيوب المنتفخة والمتملقين والمنافقين ، وزمرة الحرباويين، ليتم التحول للكفاءات الشابة المستقيمة ويفسح المجال أمام كل الموريتانيين بمختلف مشاربهم وأجناسهم وأعراقهم  ويتم التركيز على الأطر المنحدرة من الطبقتين الكادحة والوسطى، ويشعر كل مواطن موريتاني بمرتنته في جو من الأمن والإستقرا ر ،عندها تعم الفائدة الجميع ، ويتم بناء الدولة الموريتانية الحديثة.