في اللغة و التنمية / عبد الرحمن ودادي

من المضحك المبكي ان ترى بعض من تمكن الجهل من تلافيف عقولهم يصرون على نظريات تجاوزها البحث العلمي من عقود من الزمن و يكررون افكارا متخلفة ركنت على رف التاريخ و تحولت الى مجال لتندر الخبراء.

من اشهر هذه النظريات ضرورة اللغات الأجنبية لتنمية البلدان المتخلفة و التي لا يزال الى اليوم يتبناها نظامنا السياسي والعديد من ارباع المثقفين و المستلبين فكريا .

كل الخبراء يجمعون على ان الصين سيدة المستقبل بدون منازع و يوميا ترتفع مؤشراتها الاقتصادية و العلمية في خط تصاعدي.

اللغة الصينية لا تحوي على حروف بل على رموز تصل الى مئات الآلاف و من اجل تصفح جريدة نحتاج على الاقل الى حفظ ستة آلاف رمز مما تنتج عنه مصاعب لا يمكن تخيلها و خاصة في عصر الكومبيوتر.

كيف يتمكنون من الكتابة على لوحة المفاتيح ؟

الطريقة التي ابتكرها الصينيون هي كتابة اللفظ الصوتي للرمز بحروف لاتينية و من ثم تظهر على شاشة الكومبيوتر عدة رموز صينية متشابهة في النطق ليتم اختيار احدها.

لم يفكر الصينيون للحظة بتبني لغة اجنبية بحجة تخلف لغتهم و تعقيدها.

مشكلة الاعتماد على اللغات الأجنبية في التعليم و الادارة يؤدي الى مشاكل لا حدود لها و من اهمها عرقلة العملية التعليمة ، فبدون شك سيضطر الإنسان الى بذل جهد مضاعف في عملية اكتساب المعارف لكونه يعيش بلغة و يتعلم بأخرى، كما يتضمن هدرا للطاقات من خلال عدم الاستفادة من التعلم التقليدي الذي يتلقاه مئات الآلاف من السكان والذي لا يحتاج الا الى جهد بسيط لملائمته مع متطلبات العصر.

الأخطر من كل هذا ما يحمله هذا الخيار من حرمان الانسان من التراث الثقافي لأمته و الذي يحمل في طياته قيم وأخلاق المجتمع .

لا حظت من خلال تجربتي أن المتعلمين باللغات الأجنبية يعانون في غالب الأحيان من تمزق نفسي ، ترى احدهم يرفض مجتمعه و يحاول بكل الطرق التخلص من كل قيمه بما فيها القيم الايجابية.

تراه يحاول ان يكون بخيلا لأن الغربيبين بخلاء ، يبذل الجهد لأن يكون انانيا لأن الغرب أنانيون و في النهاية يتحول الى مسخ حضاري مثير للشفقة محاط بمجتمع لا تربطه به أي صلة.

المضحك في الامر ان رواد تجربة الانسلاخ من الثقافات المحلية هم بدون شك الافارقة و تكفي مقارنة بسيطة لمعدلاتهم في التنمية مع بقية شعوب العالم لإدراك حجم الكارثة.

لا شك ان عامل سيطرة اللغة الفرنسية في بلادنا خاصة يساهم في زعزعة الاستقرار، فعندما تحصل على ثقافة عالية بلغتك و تقضي عشرات السنوات في اكتساب المعارف و تكتشف في النهاية ان سكرتيرة تتقن برنامج معالجة النصوص بالفرنسية اكثر منك فرصا في العمل فمن الطبيعي ان يتملكك الغضب و لا ريب في ان سد الباب امام خريجي المحاظر و حرمانهم من الفرص الحقيقية لحياة كريمة عامل رئيسي في خطر الارهاب.

الدولة الأكثر رخاء ورفاهية في العالم هي النرويج علما ان لغتها لا يتكلم بها سوى خمس ملايين نسمة ، تتلوها الدانمارك التي تنحصر لغتها في شعب من ستة ملايين .

اما الدولة الأكثر فقرا في كل المعمورة فهي الكونغو الديمقراطية الناطقة بالفرنسية و تأتي بعدها مباشرة ليبيريا الناطقة بالإنجليزية.

مع هذا يستمر الجهلة في النعيق بنظريات مضحكة تجاوزها الزمان و العلم .....

أزمة مجتمع: الحصاد المر / د. الحسين ولد الشيخ العلوي

اعتادت شعوب العالم أن تحتفي باليوم الوطني بنشوة غامرة وحبور لافت كتعبير عن الانتماء لوطن تفخر وتعتز به وتبالغ بعض الشعوب في الحديث عن انجازاتها الحضارية دون أن ينتقص ذلك من أهمية المناسبة لكن أن يتم التغني والتباهي بمنجزات وهمية لا أساس لها علي أرض الواقع فتلك سابقة وخصوصية ننفرد بها نحن الموريتانيون دون سوانا من الشعوب!

الدولة الموريتانية ولدت خديجا غير مكتمل النمو في عملية قيصرية شكلت تحديا تاريخيا لسكان هذا الإقليم الذي سمته فرنسا بموريتانيا في محاولة لاقتطاع هذه الدولة عن سياقها التاريخي كنشاز في منطقة تشكل امتدادا استراتيجيا لفرنسا ومع هذا انبري ثلة من الرجال الاستثنائيين الذين تنكر لهم التاريخ والأحفاد لبناء الدولة الخديج فشرعوا من تحت خيمة في وضع أسس دولة موريتانيا.

عند إدراك ظروف النشأة وما اكتنفها من تحديات ورهانات يجعلنا ندرك كم كان الآباء المؤسسون رجال دولة استثنائيين حيث قدموا وطيلة عقدين من الزمن نموذجا يحتذي به لتحويل المجتمع من حالة البداوة الي ما يشبه الدولة علي المستوي الوجداني والعقلي عبر سياسات التأسيس المرحلي التي كانت سائدة عالميا في وقت كانت وتائر التنمية فيه تسير بخطي وئيدة متباطئة في العالم برمته حتى العسكر الذين أطاحوا بالحكم المدني صبيحة العاشر من يوليو 1978 حافظوا علي الشكل العام للدولة الخديج حتى العام 1984.

إلا أن التراكم المعرفي الهائل الذي عرفه العالم في مطلع ثمانينات القرن المنصرم وصل حد الفيضان حيث غدت المفردة العلمية تتجدد كل سبع ثواني! في حين كان يلزم لحدوث ذلك عقود من الزمن ( عشرات السنين) خلال القرون الخمسة الماضية والمسماة بالعصر الحديث ووصل دفق المعلومات كمًا يصعب معه الحصر أو الإحاطة هذا المعطي المعرفي الذي مهد لثورة المعلومات الهائلة التي شهدها العالم في تسعينيات القرن المنصرم غيرت من مفاهيمنا وأحدثت قطيعة ابستيمولوجية مع ماضينا المعرفي وأوجدت عالما متسارع الأنفاس ومتلاحق الأحداث ولا مكان فيه للمتروي أو من لا يجاريه في سرعته الشيء الذي أفضي الي آليات جديدة لإدارة الدول والكيانات الاقتصادية واستدعي وجود تفكير مغاير للإدارة والحكم والتنمية إلا أن الملاحظ في الحالة الموريتانية وكأن كل شيء قد توقف عند العام 1984.

لن أغالي في جلد الذات أو التباكي علي الفرص المهدرة التي لم يحسن قادتنا ونخبتنا السياسية والثقافية في اغتنامها لما يزيد علي نصف قرن من الزمن ولن اكتفي بالنقد والسخط والتبرم علي الواقع المتردي كما اعتادت كتابات اليوم بل سأقوم بما يفعله نظرائي من المفكرين الاستراتجيين والنخب الثقافية في العالم التي لا تكتفي بالعويل والصراخ بل تقدم الحقيقة عارية دون رتوش أو تلميع حتى وان كانت مؤلمة وقاسية ومروعة كتشخيص موضعي ومن ثم المحاولة في تقديم تصور معرفي للنهضة وسبل الانطلاق كمساهمة مني في تقديم مشروع مجتمع مع غيري من مثقفي موريتانيا الذين يعيشون عصرهم ويستلهمون معطياته.

الدولة: الحصاد المر

آن الآوان علينا كموريتانيون ان نقر بحقيقة مرة نأبي الاعتراف بها وأن نتوقف عن اعتبار أن ما لدينا دولة, فالتعريف الكلاسيكي للدولة باعتبارها شعب وحكومة وحوزة ترابية أضحي جزءا من الماضي فكل المعطيات والمؤشرات علي ارض الواقع يشير بجلاء أننا ومنذ ما يزيد علي نصف قرن لم نتعدى مرحلة مشروع دولة ,هذا الإقرار سيجعلنا ندرك حجم التحدي الذي يواجهنا في عالم متسارع الأنفاس ويسير بوتيرة فلكية وأن نضع الأسس اللازمة للشروع في عملية البناء التي تأخرت كثيرا بعقلية جديدة تواكب معطبات العصر وباستخدام آليات التفكير الاستراتيجي بعيدا عن السخف والعبثية التي تطبع مسيرتنا السلحفائية.

منجزاتنا طيلة ستة عقود ونصف من نشأة الدولة الموريتانية تقدم حقائق صادمة ومروعة حيث وبالاستعانة بالإحصائيات الشحيحة حول موريتانيا نجد أن:

• نصيب الفرد من الناتج الداخلي 1110 دولار أمريكي. (الحد الأدنى عالميا للحياة الكريمة اللائقة بالبشر يتراوح من 2800 إلي 6700 دولار أمريكي)

• تبلغ نسبة الفقراء في موريتانيا 46% ﻣــﻦ السكان وهو الأعلى عربيا والتاسع عالميا

• يعيش حوالي 20 ٪ من السكان على أقل من 1.25 دولار في اليوم. (الحد الأدنى عالميا للحياة الكريمة اللائقة بالبشر يتراوح من 5.12 إلي 8.70 دولار أمريكي)

• يرزح 10 ٪ إلى 20 ٪ من سكان موريتانيا في حياة العبودية بصورة من الصور أي من 340000 إلي 680000 نسمة. وهي الأعلى عالميا

• موريتانيا ضمن دول القائمة السوداء لعمالة الأطفال (16 دولة) حيث تشير الإحصائيات غير الرسمية للمنظمات الحقوقية العاملة في موريتانيا إلي أن من 8% إلي 27% من الأطفال تحت سن 12 يجبرون علي ممارسة أعمال لا تتناسب مع أعمارهم.

• تحتل موريتانيا المرتبة 48 في قائمة الدول 66 المتاجرة بالبشر والوجهة المفضلة هي الخليج العربي.

• موريتانيا تملك مساحات أراض زراعية تقدر بنصف مليون هكتار أي نحو مليون ونصف مليون فدان، منها 137 ألف هكتار تروى بمياه نهر السنغال ونحو 240 ألف هكتار تروى بمياه الأمطار أما الباقي فيروى بمياه السدود، يعمل في القطاع الزراعي نحو 60% من إجمالي القوى العاملة الموريتانية مع ذلك فموريتانيا تستورد 70% من حاجاتها من المواد الغذائية(للعلم نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية تكفي لإطعام 12مليون شخص بالطرق البدائية و35مليون بالطرق الزراعية الحديثة).

• تمتلك موريتانيا 18مليون رأس من الماشية ومع ذلك لا تمتلك صناعة حقيقية قائمة علي هذا المصدر.

• تمتلك موريتانيا 2.4 مليون نخلة تشكل نسبة 3.4% من نخيل العالم ومع هذا لا توجد صناعة قائمة علي هذا المنتج ولا تصدر موريتانيا التمور للأسواق الخارجية في حين أن تونس التي تمتلك 1.76 مليون نخلة وتصدر 35% من تمورها للأسواق الخارجية تدر عليها ضعف ما يدره خام الحديد علي موريتانيا(أهم مصدر للدخل في موريتانيا).

• حسب تقرير لجنة الخبراء السنوي رقم LCTU67893 في المنظمة الدولية للسياحة الصادر في 23 أكتوبر 2012 فان موريتانيا تمتلك كل المقومات لتكون الدولة الرابعة عالميا في مجال السياحة الصحراوية (للعمل عائدات السياحة الصحراوية في الدولة رقم 5 عالميا الأردن هو 3.1 مليارات دولار سنويا أي سبعة أضعاف عائدات حديد موريتانيا).

• في موريتانيا 713 صحيفة ومجلة المرخص منها 390 (للعلم في سوريا 194 صحيفة ومجلة منذ العام 1830 و حتي العام2011 وعدد سكانها يزيد علي العشرين مليون نسمة).

• في موريتانيا 34 حزبا سياسيا(للعلم في الولايات المتحدة 6 أحزاب الفاعلة منها حزبان فقط).

• في موريتانيا وبعد 63 سنة من الاستقلال 5% من سكانها لازالوا بدو رحل.

• 12% من سكان موريتانيا لا يتمتعون بسكن و 88% الباقية يسكن 79% منهم في مساكن غير لائقة ولا تتوفر علي ابسط سبل العيش الكريم.

• استهلاك موريتانيا السنوي من الكهرباء 230,6 ميغاوات (للعلم يستهلك قطاع غزة وهو تحت الحصار الخانق 450 ميغاوات)

• 18.8% من الموريتانيين يتمتعون بخدمات الكهرباء

• الأسر الموريتانية التي تحصل علي خدمات الماء الصالح للشرب 43.7%

• موريتانيا تصدر متوسط 95 ألف طن من السمك سنويا يدر عليها 303 مليون دولار في حين أن ماليزيا التي تصدر 37 مليون ألف طن يدر عليها 4 مليار دولار.

• موريتانيا التي تعتبر احدى الدول المصدرة للسمك لا تتوفر علي صناعات سمكية حقيقية.

• يبلغ إنتاج موريتانيا من خام الحديد 12 مليون طن سنويا وبعائدات سنوية تتراوح من 435 إلي 550 مليون دولار أمريكي في حين أن مصر التي تنتح اقل من مليوني طن سنويا تتحصل علي عائدات تفوق مليار دولار أمريكي.

• تحتل موريتانيا المرتبة 150 عالميا بعد فلسطين في قائمة الطرق المعبدة في عموم البلد

• بـــــ5147 كيلومتر من الطرق المعبدة, أنشأ 46% منها في حقبة الرئيس الراحل مختار ولد داداه (للعلم مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة 6247 كلم مربع) مساحة موريتانيا تعادل 165 ضعف مساحة غزة والضفة ويبلغ عدد الطرق المعبدة في مالي 18709كلم وفي النيجر 18550 كلم.

• تحتوي موريتانيا علي أهم المعادن التحويلية كالحديد والنحاس والجبس والذهب ومع هذا لا يوجد بها مصنع واحد قائم علي هذه الخامات.

• الأمية تصل في موريتانيا إلي أرقام قياسية حيث43% من السكان يقعون في هذه الخانة.

• متوسط العمر في موريتانيا 51.24سنة للذكور و55.85 سنة للإناث وبهذا تحتل موريتانيا المرتبة 187 في قائمة دول العالم البالغة 221 دولة.

• ميزانية موريتانيا البالغ عدد سكانها 3.5 مليون نسمة هي 977 مليون دولار وهذه الميزانية بالكاد تعيل ربع مليون نسمة في ظروف تقشف صارمة.

• عدد المستشفيات الكبيرة في عموم موريتانيا 2 والعيادات المجمعة 1 وعدد المستشفيات المتخصصة 4 (مستشفي إمراض القلب ومستشفي الإمراض النفسية ومستشفي السرطان ومستشفي الأم والطفل ) وكلها بدائية وخدماته من فئة F-.

• عدد الأطباء المتخصصين 220 وعدد الاطباء العامون 300 وعدد العاملين في القطاع الصحي 1200 طبيب وممرض وفني بمعدل طبيب لكل 10000 نسمة وهو المعدل الأدنى عالميا وقد حددت منظمة الصحة العالمية بان الحد الأدنى لتوفير خدمة الكفاف الطبية هو 23 لكل 10000 نسمة.

• تبلغ نسبة المدارس 4189 مدرسة فقط 6 منها تنطبق عليها مواصفات المدرسة بمعايير العالم الثالث.

• تبلغ نسبة البطالة 33% من القوي العاملة 95% منها شباب.

• 5000 من العاطلين من حملة الشهادات العليا حوالي 1000 منهم من حملة الماجستير و الدكتوراه.

• موريتانيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك شبكة صرف صحي.

أزمة مجتمع

لغة الأرقام أعلاه تقدم حقائق صادمة ومروعة عن حجم الهشاشة وإهتراء ما يسمي بالدولة الموريتانية ويؤشر إلي غياب شبه كلي للخدمات الضرورية لأي تجمع حضري مما يعني أن عدم الإحساس بهذا المأزق الوجودي لدي النخبة السياسية والثقافية لدليل واضح أن أزمة موريتانيا هي أزمة مجتمع بالمقام الأول وليست أزمة سياسات حكومية آو برنامج سياسي انتخابي.

تساوقا مع ما ورد أعلاه أري أن حرص المعارضة وجل النخبة السياسية علي التركيز علي الشأن السياسي كالتداول السلمي للسلطة والانتخابات والدستور تعتبر ضرب من الترف الفكري وخبل في الفكر وشطط تأباه الفطرة السوية, فمجتمع يعاني غالبيته من الفقر حد العوز والحرمان والجهل وتحاصره الأمراض من كل حدب وصوب لا يمكن أن يحل مشاكله بالديمقراطية التي في ظل العقلية السائدة المتخلفة ستمعن في تحذير تخلفه. ما تحتاجه موريتانيا هو طبقة سياسية جديدة ذات فكر استراتيجي و تدرك آليات وسبل بناء الدولة في عصر العولمة بفكر مغاير لما هو موجود والعبء هنا يقع علي النخبة المثقفة التي ينبغي عليها أن تشعر الشعب الموريتاني بخطورة الوضع الكارثي.

موريتانيا تحتاج لمن يدرك إنها في أمس الحاجة إلي خطة مارشال مستعجلة لانتشال المجتمع من وهدة التخلف والجهل والمرض والفقر, موريتانيا تحتاج إلي رجالات دولة أفذاذ من طراز مهاتير محمد يتسلحون بالعلم ويضعون خطط تنموية بآماد زمنية محددة مع توظيف كل السبل المتاحة لتوفير الرساميل اللازمة للتنمية دون إبطاء.

القنابل الموقوتة كالتطرف الديني وانجرار شريحة عريضة من الشباب وراء الجريمة المنظمة وعالم المخدرات والشرخ الذي يزداد اتساعا مع الأيام للوحدة الوطنية مرده انسداد الأفق وغياب مشروع مجتمعي يلتف حوله كافة مكونات المجتمع الموريتاني. غياب الدولة وتقاعسها عن أداء واجبها تجاه المواطنين هو المسئول عن ظاهرة التسول السياسي حيث استشري الفساد وتدني حس الانتماء إلي الوطن وفقدان بوصلة التوجيه لدي الشباب والناشئة.

سبل الحل

عندما استمع إلي خطب الرؤساء الموريتانيون وأتتبع سياساتهم علي المستوي التنموي أحس وكأنهم لا يفقهون كثيرا في السياسة وأنهم يتصرفون بعقلية شيخ القبيلة في العصور الغابرة ويعتصرني الألم والقهر عندما استمع لسياسيينا معارضة وموالاة فأحس وكأنني أمام أجداث محنطة فغياب الرؤية وعدم إدراك حجم المأساة والتكالب علي المناصب واعتبار الوطن كعكعة يجب اقتسامها كلها مؤشرات تنم عن مدي تخلف طريقة تعاطيهم مع الشأن العام.

عندما استمع لسياسي موريتاني أو مثقف يتحدث أحس وكأن عجلة الزمن توقفت عند مضارب بني عبس وقطفان وحمير

منطق التخطيط الاستراتيجي يقول بجلاء أننا أمام مجتمع يحتاج لبنية تحتية كاملة وعلي كافة الأصعدة فكيف السبيل إلي ذلك؟.

لابد من تكوين خلية أزمة مكونة من اختصاصيين موريتانيين في كافة الشؤون التنموية وهم كثر في المراكز البحثية العالمية ومنهم من يساهم بفعالية في تحديث مجتمعات أخري تقر بموهبتهم وتقدر عقولهم النيرة وفي أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان والصين وماليزيا استراليا ودول الخليج العربي مئات من الباحثين الموريتانيين ومن العيار الثقيل هؤلاء هم من سيبنون موريتانيا حقا لأنهم عايشوا عالم اليوم المتسارع الوتائر واللاهث في سباق محموم لا هوادة فيه.

أولا : تحديد سلم الأولويات

ثانيا: ضرورة القيام بدراسات مسحية استقرائية للوقوف علي الاحتياجات والمتطلبات ووضع خطة استعجالية سقفها سنتان وأخري مداها 5 سنوات.

ثالثا: سبل توفير الرساميل اللازمة لإنشاء البنية التحتية المطلوبة

رابعا: حملة تحسيس شاملة تستهدف إشراك كافة مكونات المجتمع في عملية البناء.

سلم الأولويات

بالنسبة لدولة سكانها 3.5 مليون نسمة ومساحتها تفوق المليون كلم مربع وتحتاج لبنية تحتية شاملة علي كافة الصعد فإن سلم الأولويات ينحصر في:

1. قطاع الصحة.

2. الزراعة.

3. الاسكان.

4. التعليم.

5. الكهرباء والمياه.

6. المواصلات والطرق.

7. الخدمات البلدية.

8. الحالة المدنية.

9. الجاليات في الخارج.

10. الدبلوماسية الخارجية.

يتبع غدا إن شاء الله

 

د. الحسين ولد الشيخ العلوي

01/12/2013

الحمامات / تونس

أسدل الستار! / محمد الأمين ولد سيدي مولود

أسدل الستار ـ تقريبا ـ على أكبر مهزلة عرفتها موريتانيا في ظل الجنرال أبي بدر، مهزلة الانتخابات ذات الثلاثة أشواط، وذات التأجيل السخيف، لا أتكلم هنا عن الفضائح المالية والرصاصات الصديقة بل عن الجانب السياسي الصرف !

لقد كانت انتخابات 23 نوفمبر و21 اكتوبر مهزلة بكل المقاييس انطلاقا من التوقيت الذي أشار إليه الجنرال في شطحاته في النعمة حيث قفز على اللجنة المستقلة للانتخابات التي تباهى أنه لا يعرف تواريخها إلا من خلال الإذاعة ـ "اتخطاو ذيك" ـ ومرورا بغياب أهم مكونات المعارضة الموريتانية ثم بالتلاعب والتزوير وتورط أجهزة الدولة تخويفا وإغراء في كل مراحل الحملات الانتخابية كما صرّح بذلك أغلب الأحزاب المشاركة (حتى الحزب الحاكم قدم طعونا ضد بعض النتائج)!

بالنسبة لي كمعارض لحكم الجنرال ـ بالمطلق ـ حملت هذه الانتخابات نكسات متعددة، أولها ذلك الشرخ السحيق بين مكونات المعارضة الموريتانية وهو شرخ بدأ منذ 2007 عندما دعم التحالف الشعبي التقدمي سيدي ولد الشيخ عبد الله، فضاعت فرصة شبه مؤكدة تتعلق بفوز أهم شخصية معارضة برئاسة البلاد أي السيد أحمد ولد داداه. ثم ازداد هذا الشرخ بلحاق أكثر أحزاب المعارضة تنظيما وحيوية وهما حزبا "تقدم" و"تواصل" الأيديولوجييْن بحكومة ذات صلاحيات محدودة ويقودها رموز الفساد وتظلها مظلة التطبيع، كما أنها كانت من أقل الحكومات عمرا !!

وجاءت الطامّة الكبرى في إطار هذا الشرخ، الذي أخذ كل حزب منه نصيبه بالتناوب، مع دعم أكبر حزب معارض لأسوإ انقلاب في تاريخ البلد، وكانت تلك موبقة ديموقراطية بامتياز، قبل أن يتراجع عنها ويلتحق بالجبهة في مقارعة الانقلاب لكن بعد أن لعب دورا محوريا في تشريع هذا الانقلاب خاصة على مستوى الخارج، وبعد أن فات الأوان. بينما تابع أحد مكونات المعارضة ما سماه "تفهما" للانقلاب حيث بلغ به الأمر المشاركة في حكومة انقلابية، والاستعداد للمشاركة في مهزلة 6/6 ويتعلق الأمر بحزب حاتم! دون أن أنسى طبعا مواقف المعارض مختار صار (حزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية ـ حركة التجديد) الذي تذبذب عدة مرات في مواقفه من العسكر والنظام بين المعارضة والمساومة والموالاة !

لقد جاءت محطة أخرى وحلقة لا تقل خطورة من مسلسل الشرخ هذا بطلها هذه المرة حزب "تواصل" منفردا، وهي عبارة عن التخلي عن حلفائه في المنسقية رغم الاتفاقيات ورغم المواقف المبدئية التي تحتم رفض أي مسار أحادي يقوم به الجنرال، فجاء مسار أحادي قام به حزب مهم جدا في مكون المعارضة الموريتانية، لقد كانت خطوة مدمرة على مستوى المعارضة ككل، وبالتالي كانت هدية ثمينة للجنرال الذي يتباهى الآن بتجديد الطبقة السياسية، أي بمقدم فسيفساء من الجزئيات المتناثرة هنا وهناك يحتل فيها حزبه الصدارة بشكل مريح جدا على مستوى النيابيات والبرلمان ولن يزعجه أي صوت ذي تجربة أو خبرة في قادم الأيام تحت قبة البرلمان هذه!

ومن نكسات هذه الانتخابات ضآلة الحصاد، حتى وإن استكثره بعض المشاركين، فـأكبر حزب معارض مشارك في هذه الإنتخابات (تواصل) لم يتجاوز عتبة 11% من البرلمان ورغم أن هذه النتيجة في ظاهرها إنجاز مهم لحزب لم يتجاوز 5% في كل الاستحقاقات الماضية بما فيها الرئاسيات التي زج برئيسه فيها على عجل، فإنها نكسة للمعارضة على المستوى الوطني حيث سبق وأن حصد أكبر حزب معارض (التكتل) حوالي 20% من البرلمان المنصرم!

كما أن نتائج البلديات بالعاصمة كانت نكسة أخرى، إذ حصد الحزب الحاكم خمس مقاطعات في سابقة من نوعها منذ سقوط نظام ولد الطايع !

لكن يبقى أسوأ ما ساءني في هذا الانتخابات ـ وكلها سيئة ـ هو انحطاط الخطاب السياسي وخاصة ما ترجمَ منه تباينَ الآراء والمواقف بين مكونات الأحزاب المعارضة المقاطعة والمشاركة، وأخص هنا بالذكر حزبيْ التكتل والتواصل، فقد فضحت هذه الانتخابات مدى تخندق الطلائع الشبابية في الحزب واستعدادها لحرق كل شيء في لحظة عتب أو في صراع خفي على مصالح لا يريد أي طرف منهما الاعتراف بها (نتذكر جيد صراع الحزبين في بلدية تفرغ زين والمجموعة الحضرية ولم يكن صراعا يترجم الطبيعة المفترضة والمشوار الطويل المشترك للحزبين)، بل تمّ فيه توظيف الإشاعات والكذب والقدح، والقفز على كل شيء من أجل لا شيء !!

وطبعا لا يمكنني أن أرتاح لمشاركة أحزاب من المنسقية مقاطعة على مستويات معينة في الحملات الانتخابية خاصة إذا جاءت هذه المشاركة في مؤازرة للحزب الحاكم أو مشتقاته كما حدث في بعض مقاطعات الداخل! وهنا أشير إلى أن نزول زعيم المعارضة في الشوط الثاني فقط إلى بعض المقاطعات ربما كان له أثره السلبي على أحزاب المعارضة المشاركة فقط دون الحزب الحاكم، وهو مؤشر على خلبطة في أجندة المنسقية التي لم تنزل إلى المقاطعات قبيل ومع بداية الحملات وأثنائها وقد كان ذلك خطأ جسيما، كما كان النزول في الشوط الثاني فقط وفي العاصمة فقط خطأ آخر!

ورغم مساوئ هذه الانتخابات الجمّة ورغم أنها عقدت الأزمة السياسية أكثر بدل حلها، فقد أوضحت جانبا آخر من سوء هذا النظام وهو عدم تورعه عن أي شيء من أجل قتل الديموقراطية التي جاء أصلا على جثتها بانقلاب فج ضد رئيس مدني منتخب، حيث أذكى هذا النظام الصراعات القبلية بشكل وقح لم يسبق له مثيل، كما نشّط الصراعات الطبقية، وبلغ التزوير والتلاعب بالنتائج شكلا كنا نحسبه ولى إلى غير رجعة!

إن هذه الانتخابات أظهرت هشاشة هذا النظام ـ رغم كل شيء ـ فخروج مقاطعات وعواصم ولايات معروفة بالولاء عن ربقته، وعجزه عن حسم أي عاصمة من عواصم الولايات أو مقاطعة من مقاطعات العاصمة، في الشوط الأول مؤشر مهم على فشل النظام من جهة وزيادة وعي الشعب من جهة أخرى، رغم أنها زيادة لم يسايرها أداء المعارضة بكل تشكيلاتها مع الأسف!

إننا اليوم ـ كشباب ـ مطالبون بتجديد الطبقة السياسية وليس طبعا على طريقة الجنرال أي الإتيان ب"غوغاء" ومغمورين لاحتلال البرلمان من عشرات الأحزاب المجهرية التي انبثقت بين عشية وضحاها من ضلع الحزب الحاكم، بل بتقديم نمط جديد من النضال ضد النظام وأجندته وانتخاباته وممارساته، وبالنزول إلى عمق الشعب للتعبئة والتوعية بضرورة الإطاحة بهذا النظام عن طريق المغالبة الثورية أو المنازلة الانتخابية في ظروف مكتملة الشروط.. هذا وإلا فإننا جزء من اللعبة الأخيرة التي انتهت بنهاية أسوأ من بدايتها

السوريات في انواكشوط .. زواج من أجل البقاء

بقلم الشيخ ولد التراد ولد احمد زايد

 

انتشرت في الفترة الأخيرة في انواكشوط ظاهرة زواج الفتيات السوريات، اللاتي هاجرن من بلادهن هربا من جحيم نظام طغى صاحبه واستبد، من رجال وشباب موريتاني وجدوا في حور دمشق ضالتهم المنشودة.

وقد اصبح زواج الفتيات السوريات في موريتانيا ظاهرة جديدة يرجعها البعض هنا بالنسبة للمقدمين عليها من ابناء شنقيط الى عوامل عدة ابرزها اجتماعي ومادي حيث ان جل السوريات القادمات الى انواكشوط لايشترطن في عقد القران مهرا ضخما ولا شقة فاخرة ولاسابقة ولا لاحقة الأمر كله لايعدو مبلغا قد يتراوح بين العشرين والخمسين الفا ، وهذا الزواج وان كان في ظاهره "متعة" إلا انه شكل متنفسا للرجل الموريتاني الذي تحاصره المشاكل والمطالب من كل الجوانب ،

اما بالنسبة لبنات الشام فالمشكلة تحمل ابعادا اخرى عل تجلياتها واسبابها واضحة لاتحتاج البيان ، فالثورات نتائجها إما نعمة او نقمة،

هنا فإني اذكركم بقول الحبيب عليه افضل الصلاة والسلام "استوصوا بالنساء خيرا"

وقوله "رفقا بالقوارير"

وان حال نساء سوريا اليوم في موريتانيا وعلى غرارها بقية دول العالم العربي والإسلامي ليحتم علينا الرفق ثم الرفق بهم ، ومن هذا المنطلق فإني استنكر على الحكومة الموريتانية إقدام اللاجئات السوريات على التسول والتسكع في شوارع انواكشوط ، إذ انه لاينبغي ترك الأخوة والأشقاء على هكذا حال ،اذا لم نكن لهم وقت المحن متى نكون؟ من هنا فقد جاءت خطوة بناء مخيم للاجئين السوريين كبادرة حسن نية وخطوة تحسب لحكومة موريتانيا حتى وان كانت متأخرة شيئا ما ،إلا ان المشكلة تكمن في ان غالبية اللاجيين رفضوا المكوث بالمخيم لاسباب عللها بعضهم بعدم توفير المستلومات وافتقار المخيم للمتطلبات الضرورية للعيش الكريم، وكذلك بناء المخيم في منطقة سبق وان هجر اهلها بسبب كوارث وآفات الامطار(الميناء الرياض)

لهذه الاسباب ولاسباب اخرى فان جل اللاجئات السوريات اليوم بتن يحبذن التسكع في الشوارع وخدمة البيوت الموريتانية ، والزواج من اول مشتر آت بحثا عن الاستقرار، حتى وان كان ذلك سيزيد من تفاقم مشكلة العنوسة المطروحة اصلا بموريتانيا، بل من المتوقع في ظل تنامي الظاهرة ان يجبر الفقر المدقع مزيدا من النسوة السوريات على مقايضة انفسهن بالمال والغذاء في ظل غياب اي افق لتوقف تيار اللاجئين السورين الى انواكشوط

فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا** فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا ؟

حبيبتي أنت فاستلقي كأغنية**على ذراعي ولا تستوضحي السببا

أنت النساء جميعاً ما من امرأة ** أحببتها بعدك , إلا خلتها كذبا

يا شام إن جراحي لا ضفاف لها** فامسحي عن جبيني الحزن والتعبا

أتيت من رحم الأحزان يا وطني ** أقبّل الأرض والأبواب والشهبا

حبّي هنا .. حبيباتي ولدن هنا** فمن يعيد إليّ العمر الذي ذهبا

هل انكفأ "الإخوان المسلمون"... أو انطفأوا؟

يبدو أن "جماعة الإخوان المسلمين" وخصوصاً في العالم العربي قد بدأت تعود إلى الظل الذي خرجت منه بعد إندلاع "الربيع العربي" أواخر 2010. كما لم تعد الجسم الإسلامي العربي – العالمي القادر على حصار التشدد الإسلامي المتنامي واحتوائه،

وتالياً على مواجهة ناجحة للإرهاب الذي اعتمده لمحاربة أعدائه في العالم من مسلمين سنّة وشيعة ومسيحيين، ومن أنظمة فرّطت في الحقوق، وأفقدت الدين الإسلامي جوهره. وأسباب العودة إلى الظل كثيرة. منها عودة المجتمع الدولي عن الرهان على دور أساسي لتركيا الإسلامية ذات الجذور "الإخوانية" في إعادة صوغ المنطقة العربية والإسلامية على نحو يشجع التسامح والإعتدال والتحديث، وذلك بعد فشلها في التعاطي مع الثورة السورية، ومبالغتها في قدرتها على الفعل في سوريا وخارجها، وفي تجاهل نقاط ضعفها، كما بعد تحوّل "الإخوان" العرب أنموذجاً لها بعدما كان يُفترض أن تصبح قدوة لهم. ومن الأسباب أيضاً نمو تيارات إسلامية متشددة بل تكفيرية تمتلك المال والسلاح والتصميم والعقيدة و"الإستشهاد". وبذلك وقفت هذه التيارات على يمين "الإخوان" وحظيت بما لم يحظوا به من دعم مالي وسياسي كبير وفّرته دول عربية غنية عدة، وجمعيات إسلامية خيرية كما رجال مال وأعمال. ورغم الاختلاف حتى التناقض أحياناً بين التيارات المشار إليها وأبرزها "تنظيم القاعدة" وأمثاله في كل العالم الإسلامي كله و"السلفيين"، ورغم التاريخ الطويل لـ"الإخوان المسلمين" (نحو 80 سنة) في العمل الدعوي والسياسي والإجتماعي والخيري وأسبقيتهم على غيرهم في هذا المجال فإن الساحة في المنطقة العربية والإسلامية تبدو أكثر تقبُّلاً للإسلاميين الجُدد، عمراً فقط، لأن هدفهم إعادة المسلمين إلى السلف الصالح أي إلى الماضي السحيق عملياً. ومن الأسباب ثالثاً فشل تجربة حكم "الإخوان" في مصر الناجم عن عجزهم عن كبح شهيتهم إلى السلطة وإلى طبع الدولة بكل مؤسساتها بطابعهم خلال وقت قصير. ولا يفيد هنا إتهام دول عربية وأجنبية بالضلوع في الفشل المذكور، وقد يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما، لأن مسؤوليتهم المباشرة عنه (أي الفشل) لا يستطيع عاقل أن ينكرها. ومن الأسباب رابعاً وقوف تجربة "إخوان" تونس على "الدرجات" الأولى من سلَّم الفشل، و"إخوانهم" في ليبيا، رغم الفوز وإن غير الساحق الذي حققوه في أول إنتخابات تشريعية بعد "ثورة الياسمين". ومن الأسباب رابعاً وأخيراً عدم قدرة "الإخوان" حتى الآن على استعادة حضورهم المميز والقوي والمنظم في سوريا رغم تاريخهم "العريق" فيها. ويعود ذلك إلى القمع المنهجي للنظام السوري لهم منذ 1982 حتى اليوم. كما يعود إلى أن الشباب السوري "الإسلامي" الميّال إلى القتال أو الجهاد يستهويهم الأنموذج "القاعدي" العنيف. وأسباب ذلك كثيرة. ولا يبدو حتى الآن أن إحياء حركة "الإخوان" السوريين بتأسيس حزب جديد لهم تحت اسم "وعد" قد حقق أهدافه. علماً أن وقت الحكم على هذا الأمر لم يحن بعد. لأن الاعلان عن التأسيس تم منذ وقت قصير.

هل يساعد "التنظيم الدولي" لـ"الإخوان المسلمين" الواسع الإنتشار والفائق الأهمية على ما يقال في إقالة "الإخوان" العرب وخصوصاً السوريين والمصريين من عثراتهم؟ وهل له دور في تأسيس وتمويل فضائية تلفزيونية وصحيفة يومية خارج مصر لترفع لواء قضيتهم؟

متابعو "الإخوان" في لبنان وخارجه منه يمتنعون عن الجواب عن السؤال الثاني. أما الأول فيجيبون عنه بالقول أن اسمه "التنظيم العالمي"... وليس التنظيم الدولي، وانه ليس نظاماً حزبياً هرمياً تتخذ قيادته مواقف وقرارات وتضع سياسات تنفذها القواعد في العالم الإسلامي. فهو كناية عن "مكتب إرشاد" من 18 عضواً يمثلون "الإخوان" في دول عربية وإسلامية. وانطلقت فكرته في خمسينات القرن الماضي، ثم تأسَّس وعَقَد إجتماعات في بيروت وسويسرا ودول أخرى، وصار يمثل الإنتشار الإخواني في كل الدول الاسلامية حتى غير العربية منها. وهو يموّل نفسه من اشتراكات يدفعها المنتمون إليه كل وفقاً لحجمه الشعبي. لكن هناك مبالغة في تصوير دوره. فهو لا يتمتع بحماية دولة عظمى كما تمتَّعت الإشتراكية الدولية بحماية الإتحاد السوفياتي في الماضي ولا برعايتها وتمويلها. لكنه يبقى قادراً على التواصل والتشاور مع أعضائه في العالمين العربي والإسلامي وخارجهما وعلى تأمين بعض الدعم المالي جراء ثروات وأعمال "إخوانيين" كثيرين.

أما هل يعيد ذلك "مجد" "الإخوان" إذا صحّت التسمية؟ فان أحداً لا يعرف.

 

سركيس نعوم. صحيفة النهار اللبنانية

وعود الأمير: ورطة في ورطة / حدامي ولد محمد يحي

أيها الشعب الكريم أصلح الله حالكم ، ومكنني من رقابكم ، وأطال الله أعماركم ، هذ حديثي معكم ، فأنصتوا واسمعوا وعوا ، فإني عودتكم على كثرة الأقوال ، وندرة الأفعال ، وذالك مني سجية ، وأمر أصلي ، ففي انتخابات سابقة  وعدت بالعدالة والحرية والتسيير النزيه ومحاربة

 الفساد والمفسدين ، وكنت صادقا في وعودي ، ومصدقا من قبل حكومتي الموقرة ، وإن لم يكن للوعود أثر على حياة المواطن العادي فلا تحزنوا ، فأنتم أصحاب عقول ومواهب تميزون بين الغث والسمين من الأمراء ، ولقد كنت أميرا راضيا عن نفسي ، ساخطا على غيري ، و جمعت من المواهب أصنافا شتى ، فكنت فنيا وطبيبا ومعلما ومحللا ومبدعا في الإقتصاد والسياسة .

 

فهل أتاكم نبأ النظام السابق ، نسخناه إلى بدل ، واستبدلناه بأنفسنا فنحن الأجدر ، ولنا القدرة على تسييير البلاد والعباد بأسلوب ديمقراطي مهما كان شكله ، ومضمونه .

أيها الشعب الكريم –عفا الله عنكم- لاتملوا من وعودي ، صحيح أني وعدتكم في انتخابات خلت بالماء والكهرباء والصحة وإصلاح التعليم والإهتمام بكل مدينة من مدن الوطن الكبير ، ولم تتحقق وعودي ، ولكني وعدتكم بعد ذالك أصلح الله حالكم بأسلوب آخر ولغة مختلفة ولم يتحقق شيء ، والآن أعترف لكم بالذنب وأتوب مما جنيت في حقكم فأنتم شعب مسالم طيب منحتموني ثقتكم ، وأهلتموني للإمارة ، فحري بي أن أرد الجميل وأطبق برنامج حزبي فيكم ، وأمنحكم وسام الفقر مرة أخرى فأنتم الفقراء ، وأنا أميركم .

ففي الموسم الانتخابي الجديد أرسلت وزراء حملوا من الوعود أضعاف ماذكرت وتفننوا في مشاريع انتخابية تنقذنا من الورطة ، وتعيد لنا الإعتبار بعض الشيء ، انتهى زمن العطش ، وانتهت البطالة ، وبدأ عهد جديد بالتصويت على منتخبينا .

وإن قال قائل آخر صوتوا لي فلايغرنكم ، إنها الفتنة -عباد الله- تدعوا لها المعارضة وتريد لنا الحروب الأهلية لأنها ترشحت في انتخاباتنا نحن ، ونافستنا على المقاعد وتلك الفتنة الكبرى ، قبل أن تتوب من الفتنة الصغرى والمتمثلة في رحيل النظام وترديد شعار:(الشعب يريد إسقاط النظام).

أيها الشعب الكريم صحيح أننا تجاهلنا واقعكم فعلا ، وتناسينا معاناتكم سنين عددا ولكنكم تعلمون "حمى الانتخابات" ومافيها من ضرر نفسي وبدني على الأمراء ، ولا علاج لها سوى أصواتكم وتعبيركم بالإعجاب لنظامكم الموقر ونعدكم بما وعدناكم به مرات سابقه وزيادة ، ففي المجال الغذائي نود أن نقسم السمك على كل مدينة موريتانية ، ليتسنى "مارو والحوت" للجميع ، وفي المجال الإقتصادي "لاه تكثر الفظه" ونقسم النقود ، "وفي مجال التعليم خصصنا أياما تشاورية سترونها على شاشات تلفزتنا الوطنية تناقش قضايا التعليم الشائكة ، وفي مجال الطرق لا داعي للطرق ...وفي مجال النفط من الأفضل لكم اقتناء سيارات كهربائية ....

أيها الشعب الكريم ستكون المناصب والوظائف من نصيبكم إن منحتموني صوتكم ، ولامجال لمعارض ولو كان ذا كفاءة فإن العبرة بالطاعة قبل الخبرة ، وقد شاهدتم ذالك -عفا الله عنكم-ورأيتم طردنا لكل مخالف شق عصا الطاعة وذكر غيرنا بخير.

أيها الشعب الكريم إن وعودي وعود انتخابية أردت منها أن تخلصني من الورطة ، وأن أبقى -الحاكم الخالد- مهما اهتز عرشي ، فإن وعودي وقودي –أصلح الله حالكم- فما أنتم فاعلون ؟

وقد رأيتم الخصم يهددنا ، ويذكر الحرية السياسية ووعي الشعب لحقيقة ماجرى ومايجري ، ولكن حكومتنا الموقرة عليها من الآن أن تغير أنواع الوعود،  وتحدث كل قوم بما ينقصهم ، حسب أسلوب البلاغة السياسة ، لتكتشف مواطن الخلل ، وتتعهد ...وتتعهد ...حتى تنقذنا من الورطة .

وإلى وعود أخرى ...أصلح الله حالكم