ولد بلال في مقابلة مع القدس العربي: موريتانيا مقبلة على وضعية بالغة الصعوبة

انواكشوط – «القدس العربي»: المنعطف السياسي الخطير الذي ينتظر موريتانيا مع نهاية الفترة الرئاسية الحالية، ومخاطر التفكك المحيطة بنادي المعارضة الموريتانية، وتجارب الحوار السياسي الفاشلة مع الرئيس ولد عبد العزيز، والأسباب التي دفعت بالرئيس الموريتاني إلى بسط يده لحوار دون تابوهات مع أشد معارضيه، وموضوعات أخرى شملها حوار أجراه مندوب «القدس العربي» في موريتانيا مع الوجه السياسي الموريتاني البارز محمد فال ولد بلال الأمين التنفيذي الحالي لمنتدى المعارضة ووزير الخارجية الأسبق.
كان ولد بلال كعادته يرد على أسئلة «القدس العربي» بكلماته المنتقاة التي يختارها بعناية ويزنها، فتمخضت عن ذلك المحاورة التالية:

■ ما هي حسب نظركم وتحليلاتكم الدوافع التي دفعت الرئيس الموريتاني فجأة لمد يد الحوار إليكم؟
□ ليس في الأمر مفاجأة، لقد تعوّدنا على هكذا دعوات للحوار يكون فيها الصوت أكبر من الصورة.. فالرئيس محمد ولد عبد العزيز هو أكثر الناس كلاما عن الحوار، وهو أقلّهم عملا به. 
وهناك أسباب ودوافع كثيرة وراء دعواته المتكرّرة للحوار، أذكر منها على وجه الخصوص: محاولته التغطية على أصل حكمه الانقلابي، فهو، كما تعلمون، جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري أطاح برئيس مدني منتخب في العام 2008، ومنذ ذلك التاريخ وهو يبحثٌ عن «شرعية» مفقودة، ويجري وراء أي فرصة تسمحُ لهُ بتجاوز إعاقة حكمه «الوراثية» وعجزه «الجيني» عن كسب رضا الشعب وقبوله.
ولا أعتقد أنّ دعوته الحالية للحوار تختلف كثيرا عن دعواته السابقة وهي تستهدف تلميع صورته والحصول على ما أمكن من تفاهمات سياسية مع المعارضة لحاجة في نفسه، وتحسُّبا لانتهاء فترته الرئاسية الأخيرة بموجب الدستور.
■ كلما اقترب الحوار بينكم مع النظام جاءت عوائق فاعترضته: بم تفسرون هذا ؟
□ نفسِّرُ ذلك التعثر بعدم جدّية النظام ومواقفه المتردّدة والارتجالية، فهو بقدر ما يطمع في الحوار…يخافُ من الحوار أيضا، ولذلك، تراهُ يفتعِل المشاكل ويضع العراقيل وتضيق به الأرض كلّما اقتربنا من طاولة الحوار. 
■ لديكم تجارب فاشلة في الحوار السياسي مع الرئيس ولد عبد العزيز سببها في الغالب أنكم تريدون أن تنتزعوا منه ما أنجزه عبر صناديق الاقتراع: ما الذي استجد حتى قبلتم بسهولة العودة السيزيفية للحوارات؟
□ صحيح أنّ تجاربنا السابقة مع الرئيس لا تبعث على التفاؤل ولا تدفع إلى الجلوس مرة أخرى معه، لكنّ الفشل هنا لا علاقة له بصناديق الاقتراع، فهذه لا تعني الشيء الكثير في غياب الشفافية والعدالة وتساوي الفرص بين المتنافسين والممارسة الديمقراطية الحقّة، كما هو الحال عندنا.
لقد فشلت تجاربنا السابقة كلّها بسبب عدم احترام النظام لقواعد الحوار المتمدّن من جهة، وسرعة تملّصه من نتائج الحوار ومخرجاته من جهة أخرى. هذا ما حصل معه عام 2009 في داكار، وفي عام 2012 وعام 2014 في نواكشوط، إلاّ أنّنا مع ذلك ندرك حاجة الشعب والمجتمع إلى حوار جاد ومسؤول يُفضي إلى توافق وطني يُخرج البلاد من أزماتها المركّبة، ولذلك، دعونا للحوار وذهبنا إليه أكثر من مرّة، وما زلنا ندعو إليه ونؤمنُ به كطريقة مُثلى للعبور بالبلد إلى برّ الأمان في ظل تسارع الأحداث المحيطة به وتشابك خيوطها.
وتجدر الإشارة هنا إلى انعقاد جلسة أولية على طريق الحوار جمعت بين وفد المنتدى ووفد الحكومة مؤخرا في قصر المؤتمرات. وقد التأمت هذه الجلسة في ظروف مقبولة واستلم خلالها الطرف الحكومي وثيقة المنتدى حول الممهدات المطلوبة وبنود مشروع الاتفاق الإطاري المقترح من لدن المعارضة. وأكّد الطرفان استعدادهما للتعامل مع القضايا المطروحة بمرونة وحسن نيّة بحثا عن التوافق لمصلحة البلد. هل هو الأمل إذاً يعود إلى الساحة الموريتانية؟ وحدها الجلسات واللقاءات المقبلة تستطيع الإجابة على هذا السؤال.
■ المنتدى يواجه مخاطر في تركيبته أصبحت منظورة، فحزب التكتل رافض للحوار والإسلاميون يغازلون السلطات وحزب قوى التقدم لديه طريقته المعروفة في التعاطي مع الممكن: هل أنتم متفائلون؟
□ أعتقد أنّ تأسيس المنتدى كإطار موسّع ومرنٍ وقادر على أن يستوعب أغلبية أطياف المعارضة هو عمل سياسي رائع جاء في وقته ويؤدّي دورا بارزا. 
ونحن نعتبر أنّ اختلاف الآراء والمشارب والرؤى في داخله هو عامل قوة وثراء وليس عامل ضعف.. نعم، أنا متفائل بخصوص وحدة المنتدى واستمرار عطائه رغم ما أشرتم إليه من خلافات بداخله، ومع ذلك، لا أستبعدُ في وقت من الأوقات أن تؤدّي الخلافات إلى نوع من التمايز في المواقف وإعادة ترتيب الصفوف كلّما مرّت البلاد في منعطف حاسم جديد، هكذا هي الخريطة السياسية..إنّها دوْما عرضة للتغييّر والحركيّة والتشكّل حسب متغيرات الساحة وما تمليه على الأحزاب من تحالفات وتوجّهات وخطط ، إلخ… 
■ الفترة الرئاسية الحالية هي آخر فترة للرئيس الحالي، وستكون موريتانيا في وقت ليس بالبعيد على موعد مع منعطف سياسي كبير بهذه المناسبة: هل يتطلب هذا المنعطف تحضيرات خاصة مبكرة أم أن أوضاع البلد بخير؟
□ تتطلّب المرحلة الراهنة من عُمر موريتانيا أنْ تتوافق القوى السياسية المعنية بحاضر البلاد ومستقبله، على كيفية مجابهة تحدّي العبور من الفترة الرئاسية الحالية إلى الرئاسية المقبلة؛ كما تعلمون، فإنّ الدستور واضح، فهو ينص على أنه لا يحقّ للرئيس الحالي الترشح لخلافة نفسه. وهذا بحد ذاته يعدّ تحدّيا كبيرا في الدول الديمقراطية، وبالأحرى في الدول حديثة العهد بالديمقراطية.
إنّنا سنجد أنفسنا أمام حالة دستورية وسياسية غير مسبوقة، وصعبة جدا؛ فإمّا أن يحترم الرئيس مقتضيات الدستور ويخرج من دائرة الترشح والتنافس ويترك البلد يتخبّط بلا مؤسسات حاضنة للجميع، وبلا توافق، ولا تراض، وهذه مصيبة…وإمّا أنْ يُحاول التلاعب بالدستور وتغييره بشكل منفرد والسعي إلى فترة رئاسية ثالثة، وهنا تكون المصيبة أعظم وفي كلتا الحالتين أخشى ما أخشاه أن تتفاقم الأزمة وتخرج الأمور عن السيطرة، لا قدّر الله.
فما ينفعنا هو تحقيق معادلة على أساس «شرعية ـ شراكة» بمعنى أنّها تضمن للنظام شرعيته مقابل إشراك المعارضة في تسيير ما تبقّى من الفترة الرئاسية. لذا، أقول وأكرّر بأنّ التوافق هو الحل.
■ ما هو تقييمكم وأنتم وزير خارجية سابق، لتعاطي الدبلوماسية الموريتانية مع دول الجوار ومع ملفات الصحراء وشمال مالي؟
□ أعتقدُ أنّ موريتانيا حقّقت تقدما كبيرا على صعيد أمن الحدود ومحاربة الإرهاب بفضل إعادة تنظيم جيشها وتسليحه ورسم سياسات دفاعية أثبتت نجاعتها.
وقد استفادت دبلوماسيتها من ذلك كثيرا، وانطلقت منهُ، واستندت إليه لتسجّل بعض النقاط على مستوى الجوار والإقليم والقارّة. إنّ موقع موريتانيا المتقدم في المنظومة الأمنية على مستوى شريط «الساحل» بالتزامن مع رئاستها الدورية للاتحاد الأفريقي وإخفاقات دول «الربيع العربي»…كلّها عوامل سمحت لموريتانيا بالقيام بأدوار مهمة وفتحت لها أبواب دول عديدة وهيئات ومؤسسات، ومع ذلك، أرى أنّها اعتمدت في المطلق على القوة «الصلبة» ولم تستغِل قدر الكفاية علاقاتها الممتازة وقواها «النّاعمة» لتلعب دورا أماميا في الأزمة المالية، أو على الأقل لتتقاسم الوساطة مع الجزائر الشقيقة.
وقد ظهر ذلك جليا في تعثّر التوقيع على اتفاق السلام المبرم في الجزائر بعد رفضه من قِبل أطراف «أزوادية» وازنة مقرّبة من موريتانيا أو هكذا ينظرُ إليها. 
أمّا عن موضوع الصحراء، فأعتقد أنّ الوقت حان لأن تستيقظ شعوب ودول اتحاد المغرب العربي من سباتها وتضغط على الحكومات وعلى المجتمع الدولي في اتجاه تحريك المياه أو الكثبان الراكدة سبيلا إلى إحراز تقدم في هذا الموضوع. 
وأقول لكم بوضوح إنّه مهما طال أمد النزاع في الصحراء الغربية ومهما تخاذل المجتمع الدولي في معالجته وتقاعس عن حسمه، فإنّ جذوته ستظل حيّة تحت الرّماد وسيبقى مصدر تهديد لأمن المنطقة كلّها. 
وبالنظر إلى التقرير المقدّم للأمم المتحدة في الأسابيع الماضية، فإنّ المجتمع الدولي لم يدرك حتى الآن ضرورة الإسراع بمقاربة أممية تنهي هذا الصراع قبل أن تتعقّد الأمور وتتصاعد أكثر فأكثر، وبمعنى آخر، أقول إنّ الدبلوماسية الدولية مدعوة إلى أنْ تسارع الخطى في ملف الصحراء الغربية لجلب منفعة تسوية معقولة قبل أنْ تضيع أو لدرْء ضرر التصعيد قبل أن يقع.
وعلى هذا الصعيد، فإن للدبلوماسية الموريتانية دورا كبيرا، آن لها أن تضطلع به وتخرج عن موقف النّأي بالنفس والحياد السلبي وتعتمد سياسات إيجابية تقوم على الاتصال بالأطراف المعنية، ومخاطبتها بخصوص الحلول الممكنة، والوساطة بينها، ومدّ جسور التفاهم، ومؤازرة المجتمع الدولي في بلورة تسوية أممية تستند إلى قرار من مجلس الأمن يتضمن نظام عقوبات لأي طرف لا يلتزم به على غرار ما يجري في بقية بقاع العالم. 
وأؤكّد هنا على أنّ التحرك الإيجابي في هذا الملف لا يعني أنّ موريتانيا تميل إلى محور على حساب آخر، أو أنّها جزء من محور ضد آخر، بل إنّ محورها هو مصالحها القومية وأفق تحركها هو المنطقة والعالم.
■ وما هو تعليقكم على «عـاصفة الحزم» من حيث مجرياتها وانعكاساتها المحتملة ؟
□ كان اليمن بلدا مأزوما، كما هو معلوم، ولكنه رغم ذلك موجود، وظل هذا البلد ملعبا مضطربا تتصارع فيه قوى محلية وإقليمية تارة بالعنف والسلاح، ولكنه رغم ذلك موجود، وكان أهله يحاولون ما استطاعوا لملمة أمورهم عبر حوار داخلي برعاية الأمم المتحدة. حوار صعب ومتعثر، ولكنه رغم ذلك موجود. نعم، كان ذلك قبل «عاصفة الحزم» التي حولته إلى جحيم يتهدّد كيان الدولة ذاتها وسلامة أراضيها ووحدة شعبها وأمن جوارها والمنطقة بأسرها.
لقد عصفت «العاصفة» بكل شيء: تراجعت بسببها فرص الحوار وتآكلت شرعية المؤسسات وبدأت الدولة تعجز عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لمواطنيها وفقدت القدرة على احتكار شرعية استخدام القوة داخل أراضيها. ثلاثون يوما من القصف والدمار والحصار، بلا نتيجة تُرجى ولا هدف قابل للإنجاز. لا غالب هناك ولا مغلوب، وما من منتصر ولا مهزوم.
والخشية كل الخشية، أن يُسار شيئا فشيئا إلى كارثة إنسانية كبرى وإلى «صَوْمَلَة» اليمن أو «ليبنته» (جعله مثل ليبيا)، وإقحامه في حروب مركّبة يختلطُ فيها الديني والطائفي والداعشي والقاعدي والقومي والقبلي والشمالي والجنوبي، إلخ… وفي هذه الحالة، فإنّ الرابح الأكبر سيكون «القاعدة» وأخواتها…والخاسر لن يكون اليمن وحده بل سيخسر معه الجوار ضمن إعادة رسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة على خلفية عالم جديد متعدّد الأقطاب. ولهذه الأسباب، سمّيت ما يجري في اليمن «عاصفة الهدم».. أما وقد تحولت إلى «إعادة الأمل» أعتقد مثل غيري من المراقبين أنّ الطريق إلى «الأمل» يمًرّ حتما بتوقيف الحرب والقصف والحصار فورا وفتح المجال أمام حوار يمني يمني يحظى بمشاركة كل الأطراف المعنية وبرعاية أممية ويكون حوارا مفضيا لحل توافقي.

القدس العربي

الحي أولىٓ من الميت يا عزيز!!! / باباه سيدي عبد الله

أصاب الرئيس عزيز عندما أطلق اسم أب الأمة الراحل المختار ولد داداه على شارع من شوارع العاصمة، تخليدا لرجُلٍ حكم البلاد ثمان عشرة سنة ولم يملك إلا بيتا متواضعا اشتراه بقرض من أحد البنوك، ولم يقترن اسمه ولا اسم أي من أفراد عائلته بصفقات مشبوهة أو منافٓسة لمواطنيه فى أقواتهم يوما من الأيام.

وأصاب الرئيس عزيز عندما عين بِكرٓ الرئيس الراحل سفيرا لموريتانيا فى بلجيكا ولدى الإتحاد الأوروبي، نِكاية بعمه المعارض الصبور العنيد أحمد ولد داداه ، أو "سيرًا عن وعيٍ على شارع المختار".

ثم أصاب الرئيس عزيز مرة ثالثة عندما أطلق اسم معركة "أم التونسي" الخالدة على "جنينِ مطارٍ" لا يزال فى رٓحِم صفقة إبداعية فريدة ومثيرة للجدل.

لكن الرئيس عزيز أخطأ - وهو من عامة البشر- عندما ترك اثنين من أسلافه عالة على بعض دول محيطنا المغاربي تتكفل بعلاجهم أو بعلاج بعض أفراد أسرهم، فى خطوة يجب أن يندٓى لها جبين الرئيس وحاشيته، و أن تتم المبادرة إلى تصحيحها، فالحيٌ أولى من الميّت.وبعيدا عن التأويلات التي قد تقود إليها التجاذبات السياسية فى محيطنا المغاربي، فإن من المخجل أن يجد الرئيسان الأسبقان سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ومحمد خونا ولد هيدالة نفسيهما مجبريْن - تحت أي ظرف من الظروف- على قبول مكرمةِ علاج من أية دولة كانت، بينما يتبجح الرئيس الذي انقلب على أحدهما وأهمل الآخر بتكديس أموال طائلة فى خزائن البنك المركزي وفى صناديق الخزينة العامة.

لا أعرف المبلغ الذي صُرفٓ مقابل "ابتسامات" عضو المجلس البلدي لمدينة نيويورك الذي يراد منه "تحسين" صورة النظام الموريتاني القائم، لكنني أكاد أجزم بأن ذلك المبلغ كافٍ لعلاج نجل الرئيس محمد خونا ولد هيداله فى إحدى الدول المجاورة.ان للدول كرامة مثلما للأفراد، يا رئيس البلاد، وأكررها مرة ثانية : ((الحي أولى من الميّت)). فهل تسمعني؟ أم أن فى محيطك من أقنعك بأن واجبك اتجاه أسلافك لا يتجاوز حضور صلاة الجنازة على من مات منهم؟ أما وهم على قيد الحياة فلا شأن لك بهم!!!أخشى أن يترك الراحلون منهم غدا - بعد عمر طويل ان شاء الله - وصية أن لا يُدفٓنُوا فى وطنٍ كالذي وصفه الشاعر بقوله ( مع تصرف طفيف) بأنه:بِه البقُّ والحُمّى وأسدٌ ضريةٰ و" عمرُو ابنُ هندٍ" يعتدي ويجورُ

البطالة في موريتانيا.. أرقام مخيفة واستراتيجيات بعيدة عن مستوى الحلول

رغم عدد سكانها الذي لا يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، ورغم الثروات الاقتصادية التي تزخر بها البلاد، فإن نسبة كبيرة من شباب موريتانيا تعاني من البطالة والفقر وما لذالك من انعكاسات خطيرة، جعلت البلاد التي تتميز بعرض قاعدة هرمها السكاني، حيث يمثل الشباب حسب الإحصائيات الحكومية 70% من تعداد السكان، جعلتها عرضة للكثير من المشاكل كالانحراف وانتشار الجريمة وغيرها من المآسي الناتجة عن استفحال البطالة في صفوف الشباب، إذ تعد نسبة البطالة في موريتانيا من أكبر النسب المسجلة حول العالم.

 

 

 

جذور الأزمة

يجمع معظم الدارسين على أن الجذور الحقيقية للمشكل تعود إلى فترات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وما صاحب تلك الفترة من جفاف حاد ضرب موريتانيا مؤديا إلى موجات كبيرة من هجرة سكان الأرياف إلى المدن، وخاصة العاصمة نواكشوط، إذ كان معظم النازحين يعتمدون في مصدر عيشهم على نشاط التنمية الحيوانية أساسا، ولم تكن لديهم مؤهلات للتشغيل.

 

غير أن مشكل البطالة ظل في تفاقم مستمر مع الزمن إذ لم تشهد موريتانيا نهضة اقتصادية، وظل اقتصادها يترنح تحت وطأة الفساد وسوء التسيير، ولا يزال إلى اليوم يعاني من مشاكل بنيوية أهمها عدم هيكلة قطاعاته المختلفة لتتلاءم مع الكم الهائل من طلبات التشغيل للوافدين إلى سوق العمل سنويا.

 

وظل القطاع غير المصنف المنفذ الوحيد للباحثين عن العمل مع ما يتميز به هذا القطاع من الفوضوية وعدم الالتزام بقوانين الشغل الدولية والمحلية.

 

أرقام مخيفة

 

حسب الإحصائيات الرسمية فإن نسبة البطالة خلال فترة التسعينات من القرن الماضي ظلت تتراوح بين 21 و 23% من مجموع السكان، قبل أن تشهد انخفاضا قليلا مع بداية الألفية الثالثة، حيث وصلت عام 2004 إلى 20% من مجموع السكان، غير أن معدلات البطالة شهدت قفزة كبيرة إذ وصلت 31% في العام 2008، وواصل مؤشر البطالة ارتفاعه إلى حدود 32% في العام 2010 و 33% في العام 2011.

 

وفي شهر مارس الماضي أعلن وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية أن موريتانيا تمكنت من تقليص نسبة البطالة من 31% في العام 2008 إلى 10% في العام 2013، غير أن هذه النسبة قوبلت بالرفض من قبل العديد من الاقتصاديين الموريتانيين الذين اعتبروا أنه من المستحيل أن ينخفض معدل البطالة من 30% في عام 2009 إلى 10% في عام 2013 في ظل معدل نمو لا يتجاوز في المتوسط لهذه الفترة 4%.

 

كما علل هؤلاء الاقتصاديون رفضهم لهذه النسبة بكون الحكومة اعتمدت على بعض المسوح الخاصة بسوق العمل والتي تقيس البطالة وفق مؤشرات تعتبر من يعمل ساعة في الأسبوع على أنه عامل وليس عاطلا عن العمل، سواء كان هذا العمل في القطاع الرسمي أو غير الرسمي حيث أظهرت تلك المسوح معدل البطالة عند 10%، وهي نسبة غير منطقية نتيجة للكم الهائل من العاطلين الذين لم يحصلوا بعد على عمل.

وتُرجح أغلب الدراسات الاقتصادية أن نسبة البطالة لا تزال في حدود 30%، كما توضح تلك الدراسات أن 85% من القوى العاملة يعملون في وظائف غير منتظمة مما يعني الحرمان من الضمان الاجتماعي والصحي وغير ذلك من الحقوق التي تكفلها قوانين الشغل المحلية والدولية، إذ يُشغل القطاع الحكومي في موريتانيا 3% فقط من مجموع العاملين.

 

وحسب تقرير منظمة العمل العربية لعام 2012 فإن موريتانيا من بين 3 دول عربية تعاني من ارتفاع كبير في معدل البطالة وهذه الدول هي جيبوتي والصومال بالإضافة إلى موريتانيا، إذ تصل نسبة البطالة بهذه الدول 33%.

إستراتيجيات دون مستوى الحلول

 

ظلت الحكومات المتعاقبة على إدارة شؤون البلاد عاجزة عن وضع إستراتيجية ناجعة في مواجهة الأرقام المخيفة لمعدلات البطالة، وفي محاولة منها لامتصاص البطالة قامت الدولة الموريتانية بوضع إستراتيجية تعتمد على تشجيع التكوين المهني وتنظيم سوق العمل، إضافة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات من قبيل رفع سن الولوج للوظيفة العمومية إلى 40 سنة بدلا من 35 سنة، وتنظيم العديد من مسابقات التوظيف في القطاع العام، أيضا وفي نفس الإطار تم إنشاء الوكالة الوطنية لترقية تشغيل الشباب، ومنذ إنشائها في العام 2005 تجاوز عدد المسجلين رسميا لدى هذه الوكالة 40 ألف عاطل عن العمل، من ضمنهم 6 آلاف من حملة الشهادات العليا.

وتقول الحكومة الموريتانية إن الوكالة الوطنية لترقية تشغيل الشباب قامت منذ إنشائها بتمويل أكثر من 1500 مشروع لطالبي العمل.

ورغم كل هذه الإجراءات المتخذة من قبل الدولة فإن المراقبين الاقتصاديين يرون أن الإستراتيجية الحكومية لا تزال عاجزة عن وضع حد للأرقام المتصاعدة لمؤشر البطالة التي تشكل عائقا حقيقيا في وجه التنمية المستدامة بالبلاد.

 

تفاقم يفرض الحل

مع فشل الاستراتيجيات الحكومية في وضع حد لارتفاع نسب البطالة ومع تنامي الاحتجاجات التي ينظمها العاطلون عن العمل بات إلزاما على الدولة الموريتانية البحث عن حل جذري لهذا المشكل العويص، إذ خلص التقرير الرابع لمنظمة العمل العربية الصادر قبل أسبوع في القاهرة إلى أن مشكل البطالة يعد المحرك الرئيسي لمعظم الاحتجاجات التي عصفت بالمنطقة العربية فيما بات يعرف بالربيع العربي.

 

وقد شهدت موريتانيا موجة احتجاجات قادتها تجمعات العاطلين عن العمل، أبرزها الاعتصام الذي نظمه تجمع "كواس حامل شهادة" في العام 2012 أمام القصر الرئاسي، وما تلا ذلك من وقفات لتجمع "أنا علمي"، غير أن تعاطي السلطات العمومية مع تلك الاحتجاجات لا يزال ضعيفا في ظل التنامي المخيف لظاهرة البطالة.

 

ويُجمع الاقتصاديون الموريتانيون على أن النسب المرتفعة لمعدلات البطالة أصبحت تفرض حلا عاجلا واستراتيجيات واضحة الأهداف من طرف الحكومة من أجل محاصرة الانعكاسات الخطيرة لهذه الظاهرة.

 

وفي انتظار حلول عملية للقضاء على البطالة تبقى المفارقة المتمثلة في كون موريتانيا بلد غني بمقوماته الاقتصادية مع نسب مرتفعة للبطالة والفقر، تبقى تلك المفارقة قائمة وربما لأمد ليس بالقصير..!

 

بوابة إفريقيا الإخبارية

اعل ولد محمد فال في أول مؤتمر صحفي له: "الانقلابات هي الطريقة الوحيدة المتاحة للتناوب علي السلطة"

أمام حشد كبير من الصحافة الوطنية والدولية بحضور الوزير الأول سيد محمد ولد بوبكر وبعض أعضاء حكومته افتتح العقيد اعلي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية -رئيس الدولة- مؤتمرا صحفيا استمر أزيد من ساعتين..

اِقرأ المزيد...

انقلاب 6 غشت 2008 في موريتانيا... أزمة الانقلاب و الانتخاب هل فشل التأسيس لعهد جديد؟

 

د. بتار ولد إسلك
باحث في العلاقات الدولية

لقد دخلت موريتانيا عملية التحول الديمقراطي، و هي مثقلة بأزمتين كبيرتين، الأزمة الأولى هي أزمة نظام استبدادي دام 21 سنة من حكم معاوية ولد سيد حمد ولد الطايع، و لم تكن عملية التحول الديمقراطي التي شهدتها البلاد في تلك الفترة تزيد عن كونها طابع احتقاني أراد من خلاله ولد الطايع أن تكون أداة امتصاص للضغوطات الداخلية و الخارجية، و قاد هذا الاحتقان إلى مجموعة من الانقلابات. والأزمة الثانية هي انقلاب 2005 و قد تم من خلالها الإطاحة بنظام معاوية ولد الطايع الذي قام به مجموعة من القادة العسكريين، أطلقوا على أنفسهم "المجلس العسكري للعدالة و الديمقراطية" و يعد هذا الطور من أهم مراحل التحول التوافقي التي شهدته البلاد، عبر مراجعة الدستور و انتخابات ديمقراطية مشهود لها بالنـزاهة إلا أن تلك المرحلة لم تدم طويلا فبعد سنة من نظام الرئيس الموريتاني السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله تم الانقلاب عليه يوم 6 غشت 2009، مما يعكس الصعود و الهبوط في مسار العملية السياسية في موريتانيا.
ويثير المقال الإشكالات التالية: كيف كان انعكاس الانقلاب الأخير على الساحة الداخلية و الخارجية في موريتانيا؟ هل نجح الانقلاب الأخير بالخروج بالبلاد من ظاهرة الاحتقان السياسي، أم أن الأزمة مازالت تراوح مكانها؟

 
 
 
 
أسباب أزمة انقلاب 6 من غشت 2008:

من الأسباب المعلنة أنه بعد سنة من حكم الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله ظهرت في الأفق بوادر أزمة خطيرة بين الرئيس السابق ولد الشيخ عبد الله و الجنرالات في الجيش، بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة في نسختها الثانية، و التي ضمت عناصر حسبت على نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيد حمد الطايع متهمة بالفساد، و شكل العسكريون فرقة برلمانية سميت بكتلة حجب الثقة عن الحكومة الجديدة، و تفاقمت الأزمة تدريجيا مع إصرار الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله على الإبقاء على تشكيلة الحكومة، و عندما تبين أنه لا مناط لوجود مخرج من الأزمة أقال الرئيس ولد الشيخ عبد الله الجنرالات الأربعة النافذون في المؤسسة العسكرية، و على رأسهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز، و الجنرال محمد ولد الغزواني من مناصبهم العسكرية و إحالتهم إلى التقاعد، و كانت ردة فعل الجنرالات المقالين عنيفة، و ذلك بإعلانهم عن انقلاب عسكري يوم 6 أغشت 2008، و بوضع حد لسلطات رئيس الجمهورية ولد الشيخ عبد الله كما جاء في نص البيان رقم (1) و الذي تلاه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بقوله: "جاءت هذه العملية التصحيحية نتيجة لعدة أسباب منها تعطيل الرئيس السابق للدستور خلال عمل البرلمان... و قد رفض الرئيس بتعنت مساعي البرلمانيين لحجب الثقة عن حكومة لا يرضون عنها، و رفضه لدورة طارئة في البرلمان، و تثبت هذه القضايا عجزه عن حل المشاكل التي يعاني منها المواطنون، و هكذا أعلن المجلس العسكري وضع حد لسلطات الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله"
[1].

المؤثرات الخارجية و مساعي الخروج من ازمة الانقلاب

لقد شكل انقلاب 6 أغشت مخاطرة كبيرة بالتعهدات الدولية التي تعهد بها الممولين الدوليين في شهر ديسمبر 2007 حيث كانت اتفاقية تمويل بمبلغ 600 مليون دولار قد وقعت، و 8 مليون دولار أخرى على وشك التوقيع، قدتم توقيفها فور الإعلان عن الانقلاب
[2]، كما أعلن شركاء موريتانيا في التنمية عند تعليق التعاون مع موريتانيا حتى الرجوع بالبلاد إلى الشرعية الدستورية الممثلة في شخص الرئيس المنتخب و من بين تلك الهيآت الدولية، و الدول الولايات المتحدة الأمريكية، و الاتحاد الأوربي، و صندوق النقد الدولي.
فعلى مستوى الاتحاد الأوربي الذي يعتبر أن ضرورة احترام الديمقراطية خط أحمر لا يمكن تجاوزه، و علي لسان المفوض المكلف بشؤون التنمية و المساعدات الذي جدد إدانته للانقلاب و ذلك بقوله: "إن هذا الوضع قد يدفعنا إلى مراجعة سياستنا اتجاه موريتانيا... إن إدارات المفوضة و السلطات الموريتانية المعنية، انتهت منذ فترة قصيرة من وضع اللمسات الأخيرة على برنامج دعم موريتانيا بقيمة 165 مليون يورو في الفترة ما بين 2008-2013 و ينضاف إلى برامج المساعدات السارية المفعول...سوف نقيم لوضع على ضوء اتفاقية كوتونو التي وقعت عليها موريتانيا
[3].
و استنكر الاتحاد الأوربي التدابير الاستثنائية التي أعلن عنها المجلس العسكري و المتمثلة في تشكيل حكومة جديدة في البلاد و جاء في بيان الاتحاد الأوربي ما يلي: "إن المجموعة الأوربية تـجـدد بأكبر قدر من الصرامة إدانتها الاستيلاء علي السلطة بالقوة الذي حصل في موريتانيا يوم السادس من غشت الماضي، و تعتبر الإجراءات الاستثنائية المتخذة من طرف المسؤولين العسكريين الذين استولوا على السلطة و المؤكدة بواسطة الأمر القانوني الصادر 11 غشت 2008، و خصوصا لإطاحة برئيس الجمهورية عارية من أية شرعية، إن الاتحاد الأوربي يحذر الحكام العسكريين من المخاطر الحقيقية لعزله مستديمة للبلد على المشهد الدولي، و يحض الحكام العسكريين على إعادة الإطار المؤسسي لما قبل السادس من غشت و يدعوهم بدون مهلة إلى التعاون مع المجموعة الدولية"
[4].
و كإجراء لا حق قرر الإتحاد الأوربي تعليق استفادة موريتانيا من المساعدات و القروض لمدة سنتين مؤكدا أنه لا يمكن استئناف التعاون من دون العودة إلى النظام الدستوري، و من بين التمويلات التي شملها وقف التعاون 65.5 مليار أوقية هي هبة غير معوضة لتمويل عشرة مشاريع تنموية.
 و على مستوى الاتحاد الأفريقي: الذي أدان باسم رئيس مجلس السلم و الأمن الإفريقي (Jon Biong) الانقلاب العسكري و ذلك بقوله "أؤكد رفض الاتحاد الإفريقي أي تغيير للحكومات بالطرق الغير دستورية، و محاولة الاستيلاء على الحكم بالقوة، وفقا لإعلان لومي الصادر في شهر يوليو 2000، و القانون الدستوري للاتحاد الإفريقي، و الميثاق الإفريقي للديمقراطية و الانتخابات و الحكم الرشيد الذي كانت موريتانيا آخر دولة تصادق عليه"
[5]. و على هذا الأساس قرر الاتحاد الإفريقي تعليق عضوية موريتانيا حتى العودة إلى الشرعية المتمثلة في عودة الرئيس المنتخب ديمقراطيا.
على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية فقد شكل الانقلاب أزمة غير مسبوقة بينها و بين الجنرال محمد ولد عبد العزيز، فقد علقت الولايات المتحدة جميع مساعداتها باستثناء المساعدات الإنسانية، و هو ما عبر عنه السفير الأمريكي في موريتانيا مارك بولير و ذلك بقوله "إن انقلاب السادس من غشت قد أطاح بحكومة منتخبة ديمقراطيا، و أن الشعب الموريتاني له الحق بالتمتع بالديمقراطية، التي تضمن له الأمن و التنمية، و أؤكد رفضنا التام للانقلاب، كما أؤكد دعوتنا إلى إعادة الشرعية و إطلاق سراح سيد محمد ولد الشيخ عبد الله"
[6].

اتفاق داكار و تعميق الأزمة السياسية:

لقد شكل التنسيق بين الهيآت الدولية السابقة غلى قرار شامل يعبر عن رأي هذه المجموعة إلى تهديد النظام العسكري من مغبة التمادي في تجاهل المطالب الدولية حول عودة الرئيس الموريتاني السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله و إقراره من جانب واحد تحديد موعد زمني لانتخابات المبرمجة يوم 06/06/2009 و التي أعلنت منسقية المعارضة عن مقاطعة تلك الانتخابات، و قد شكل سلاح المساعدات الرهيب إحدى الهواجس و التي أثرت بدون شك على النظام العسكري في موريتانيا، أمام مطالب المانحين الدوليين، فمثلا بادرت وكالة التنمية الفرنسية (MFD)، التي تعتبر أهم الجماعات الثنائية المانحة لموريتانيا إلى تعليق أي تمويل جديد إلا أن تقوم حكومة شرعية بإدارة شؤون البلاد، كما علق البنك الدولي تمويل عشرين مشروعا بتمويل إجمالي يفوق 80 مليار أوقية و يستهدف هذا التمويل مجالات مختلفة
[7].
و وفقا للإحصاء التي جمعته شبكة المعلومات الإقليمية و مكتب الأمم المتحدة للتنسيق، ستفقد موريتانيا بموجب العقوبات الاقتصادية أكثر من 500 مليون دولار من المعونة الغير إنسانية
[8]. و نتيجة لثقل العقوبات الاقتصادية و التي تعني افتقاد 20% من حجم الدخل القومي، كما ظلت المساعدات الدولية تغذي الاستث
مارات الداخلية بما يفوق نسبة 60%. وأمام هذا الوضع الماس لم يبق أمام العسكريين سوى خيارين:

أولهما: إما أن يتمادى النظام العسكري في تجاهل المطالب الدولية، و ما سينجر عنه من نتائج غير محسوبة.
و ثانيهما: أن يقبل الانصياع لمطالب المانحين الدوليين، عبر صيغة متفق عليها، للخروج من الأزمة.

و على هذا الأساس لم يستطع المجلس العسكري المناورة على الجبهتين الداخلية في ظل تنامي أصوات المعارضة المناوئة للانقلاب، و الجبهة الخارجية المتمثلة في وقف المساعدات و القروض الدولية، و في ظل المساعي الدولية التي قامت بها فرنسا تحديدا و الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد، لوجود صيغة متفق عليها بين أطياف المعارضة، و العسكريين توجت تلك للقاءات باتفاق تاريخي عرف فيما بعد باتفاق (داكار)، و قد شمل الاتفاق المذكور عدة محاور من أهمها:


 

  • حول ضرورة مرحلة انتقالية تتم بشكل توافقي، و ضمان الثقة بين الفرقاء السياسيين، و إجراء انتخابات ديمقراطية جديدة حرة و نزيهة.
  • حول الانتخابات الرئاسية التي حددت يوم 18 يونيو 2009 و تضمن الأتفاق أيضا أنشاء حكومة متفق عليها تشرف على الانتخابات الرئاسية، و كذلك طبيعة اللجنة المستقلة للانتخابات.
  • حول إجراءات التهدئة و الثقة من أجل وقف الحملات و دعم المجتمع المدني من أجل تعزيز الممارسة الديمقراطية.
  • حول مواصلة الحوار لا يضع هذا الاتفاق مواصلة للحوار، إن الحوار الوطني سيتواصل بشكل مكثف بين كافة القوى السياسية[9].
 

كان من نتائج الأزمة الكبرى التي أفرزتها تداعيات انقلاب 6 غشت 2008 اتفاق الأقطاب السياسية على تجاوز أزمة الانقلاب، بعد مفاوضات عسيرة استمرت شهورا في أديس بابا و باريس و طرابلس و نواكشوط[10].
إن الحدث الأهم لنتائج هذا الاتفاق هو فوز الرئيس محمد ولد عبد العزيز في الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 18 يوليو 2009 بنسبة 52% أمام الثمانية الآخرون الذين دخلوا حلبة السباق على كرسي رئيس الجمهورية و الذين توزعوا بين مكونات الطيف السياسي و العرقي و الجهوي و الإيديولوجي.
الخاسرون اعترضوا على نتائج الانتخابات، و ما أسموه تزويرا في سير العملية الانتخابية و أكدوا أن الغش و التلاعب، وقع ولو أن المجلس الدستوري رفض الطعون التي قدمت خلال 48 ساعة فقط من إعلان وزارة الداخلية للنتائج، في حين قالت أطراف أخرى أنها لن تتوجه للمجلس الدستوري و أنها لا تعتبره حكما نزيها، بعد اتخاذ مواقف دلت على عدم حياده عندما رفض تأجيل الانتخابات لما بعد 18 يوليو و طالبت المعارضة بإعادة فرز الأصوات و تفحص أوراق التصويت التي أعدتها الشركة لبريطانية و تم التصويت بها
[11].
و قد تباينت تقارير المراقبين الدوليين حول نزاهة الانتخابات، فبينما أعلن الاتحاد الأوربي أن التحقيقات التي قام بها في اتهام المعارضة للنظام بالتزوير أنه لم يتوصل بوجود خروقات على حد تعبير فالبير دناما عضو التنمية في البرلمان الأوربي، على عكس تقرير اللجنة العربية لحقوق الإنسان و هو أول تقرير ينشر عن الانتخابات و الذي جاء فيه "نخلص إلى أن الاقتراع لم يجر في ظروف عادية و شفافية و نزاهة مشهود لها رغم ما قبل و يقال، و أن صناديق الاقتراع لم تستهل حكم الشعب"
[12].
و بعد تنصيب محمد ولد عبد العزيز رئيسا للدولة، طالبت المعارضة فتح حوار معها، و منحها مقاعد في التشكيلة الوزارية، رفض ولد عبد العزيز طلب المعارضة و اعتبر انه من الأفضل أن تلعب دورها كمعارضة.
 و بعد سنة من اتفاق داكار وجهت المعارضة نداء إلى المجموعة الدولية مفاده أن الأزمة الموريتانية مازالت قائمة لما جاء في نص البيان "لقد مرت الآن سنة كاملة على توقيع اتفاق داكار... و نؤكد للمجتمع الدولي على أن كل القوانين أثبتت أن محمد ولد عبد العزيز لا يركن إلى الحوار... و أنه لا يلبث أن يدير ظهره لكل التزاماته سرعان ما يحصل على ما يريد مما يجعله شريكا غير مؤتمن"
[13].
و لم تتأكد المعارضة أنها دخلت اتفاقا كانت خاسرة فيه إلا عندما رفض الرئيس الموريتاني فتح حوار مع المعارضة و تمثيلها في الحكومة و ذلك بقوله:"أعتبر أن العودة إلى ما قبل انتخابات 18يوليو 2009 غير مطروحة... اتفاق داكار ليس قرآنا و لا نصا دستوريا يجب صيانته أو التمسك به، بل هو مجرد توافق بين الأطراف السياسية لتجاوز مرحلة بعينها، و من ثم فلا معنى للرجوع للوراء و التمسك بصيغ لم تكن لها مبررات و لا أهداف"
[14].

المراجعات الدستورية ,,,,,,,إشكالية الاتفاق و الإختلاف:

لم تسفر النتائج الانتخابية عن وضع حد للتظاهرات الاحتجاجية لما اعتبرته المعارضة تملصا من روح اتفاق داكار، و أن النظام لم يلتزم بتعهداته عندما طالب المعارضة بالمشاركة في الحكومة الوزارية و فتح حوار سياسي معها و استقبال رئيسها الدوري أحمد ولد داداه الذي انتقد أوضاع البلاد في ظل نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قائلا "إن وضع البلاد بعد سنتين من نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز في تدهور مستمر في جميع الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية".
و أمام الضغوطات الدولية التي أخذت شكلها في الاتساع ممثلة في الاتحاد الأوربي، و الولايات المتحدة الأمريكية، عبر التقارير الدولية، خصوصا تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان لسنة 2010 مما اعتبرته الجوانب الايجابية في نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز التي عددتها في مواصلة المصالحة الوطنية، إلا أنه ذكر أن موريتانيا شهدت منذ 2009 تراجعا في وضعيات حقوق الإنسان، حيث حرم المواطنين من حقهم في اختيار حكومتهم
[15].
إضافة إلى ذلك الجو العربي المشحون بثورات (الربيع العربي)، و نتيجة لتجاذبات الداخلية المتعلقة بالحراك الشعبي للدول المغاربية التي تدخل أهدافها في ذات الإطار انبثقت حركة الشبابية 25 فبراير التي طالبت النظام بالإصلاح السياسي و الاقتصادي، و لوحت بالمطالبة بإسقاط النظام، و عرفت الحكومة و الحالة هذه انه لا مناط من الانخراط في حوار مع المعارضة الذي تم يوم 17 سبتمبر و 19 أكتوبر 2011 بين بعض أحزاب المعارضة و الاغلبية الرئاسية برئاسة ولد عبد العزيز الذي قال في خطابه لافتتاحي بقوله "إن اللقاء الذي يجمعنا اليوم يشكل نقطة تحول مهم من تاريخ بلدنا إذ يعطي الفرصة لأول مرة لمختلف الشركاء السياسيين لتدارس الآليات الضرورية لتطوير حياتنا الديمقراطية من خلال الحوار البناء في أوضاعنا السياسية، إن تعزيز الديمقراطية في بلادنا يشكل بالنسبة لنا خيارا استراتيجيا ليست لتنمية البلاد فحسب و إنما لتعزيز استقرارها و نشر ثقافة الحوار بين مختلف مكوناتها، و ستظل أبواب هذا الحوار مفتوحة أمام الجميع للمشاركة في إرساء أسس جديدة لبناء موريتانيا حديثة"
[16].
و رغم أن الحوار قد خرج بتوصيات مهمة من قبيل مراجعة الدستور، و تغيير المواد المثيرة للجدل و من بين المواد الجديدة التي تناولها الدستور الجديد قضايا الوحدة الوطنية، و تعزيز الديمقراطية. و المدونة الانتخابية فإن من أهم النقاط التي تناولها دستور 2012 هو تجريم الانقلابات لما نصت عليه المادة (2) (مادة جديدة)"تكسب السلطة السياسية وتمارس و تنتقل في إطار التداول السلمي وفقا للأحكام هذا الدستور و تعتبر الانقلابات و غيرها من أشكال تغيير السلطة المنافي للدستور جرائم لا تقبل التقادم، و يعاقب أصحابها و المتمالئين معهم، سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين بموجب القانون، لكنه هذه الأفعال لا تكون محل ملاحقات إذا تم ارتكابها قبل تاريخ نفاذ هذا القانون الدستوري"
[17]. وقد أنقص من قيمة المراجعات الدستوية هو أن الدستور الجديد لم يكن مصدر إجماع, فقد عارضته أحزاب المعارضة التي اعتبرت أن التعديلات مهزلة يهدف النظام من خلالها إلى ذر الرماد في العيون، بستثناء الأحزاب  الثلاثة التي شاركت في الحوار وهي التحالف الشعبي التقدمي، حزب الوئام، و حزب الصواب.
و خلاصة لما سبق  فان المراجعات الدستورية علي التوالي دستور 1991 و دستور 2005 اضافة  للدستور الأخير 2012، فقد جاز القول بان موريتانيا  وبدخولها عهد الجمهورية الثالثة تعد من بين البلدان العربية التي نجحت إلى حد كبير في وضع الضوابط القانونية المنظمة لعملية التحول الديمقراطي في البلاد.
إلا أنه في جانب آخر يمكن التأكيد على أنه لم توفق التجربة الديمقراطية على ما يبدو الخروج بالبلاد من ظاهرة الاحتقان السياسي، و يتبدى ذلك من خلال تململات الساحة السياسية، بحيث أعلنت اكبر لأحزاب المعارضة عن مقاطعتها للانتخابات البلدية و النيابية التي ستجري مع نهاية 2013. و هو ما يعني أن نجاح التجربة الديمقراطية في موريتانيا بصيغتها التوافقية ما زال أمرا بعيد المنال و حتى كتابة هذه السطور.

ولد محمد فال: النظام الحالي نسخة مشوهة من اخر مراحل نظام ولد الطايع (مقابلة)

وصف رئيس موريتانيا الأسبق العقيد اعل ولد محمد فال نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بأنه "نسخة مشوهة من الفترة الأخيرة لحكم ولد الطايع"، مشيرا إلى أنه "أسوأ نظام عرفته موريتانيا"، مؤكدا أنه لا يمكن مقارنته بأي من الأنظمة التي حكمت البلاد لأنه لا يشبه إلا نفسه، مردفا أن يقود البلد إلى التفكك والتحلل

وتحدث ولد محمد فال في المقابلة الشاملة مع صحيفة "الأخبار إنفو" الأسبوعية عن وصاياه لرئيس موريتانيا الأسبق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله وخصوصا في أسلوب التعامل مع الجيش، كما عبر فيها عن إعجابه بولد الطايع ووطنيته

 ورأى ولد محمد فال أنه "من المحال أن يستقر البلد أو يتقدم في ظل استمرار التمرد العسكري الشخصي"، معتبرا أن استمراره "سيؤدي إلى تآكل الدولة وتحلل مؤسساتها، وهذا ما لا يمكن اكتشافه لأنه يتم بشكل تدريجي، وإذا لم تتم تسويته فسيعصف بالبلد وباستقراره السياسي والأمني".

 وهذا نص المقابلة:

 الأخبار إنفو: عرفت الأشهر والأسابيع الأخيرة خرجات إعلامية متلاحقة لكم، تحدثت فيها عن الأوضاع في البلاد، وبنبرة حادة، ما مبرر هذا الخرجات توقيتا ونبرة؟

 ولد محمد فال:اسمحو لي في البداية أن أعلق على موضوع يتداول دائما لدى الإعلاميين، ولدى بعض الموريتانيين، وهي أن اعل ولد محمد فال صمت فترة طويلة، قبل أن يعود للحديث من جديد، وهي "الإشاعة" يقف خلفها كتاب النظام ومروجوه، يقولون: "اعل كان صامتا وفجأة بدأ الحديث".

 وللتعليق على هذا الموضوع أقول إني وبعد نهاية الفترة الانتقالية 2005 – 2007 رأيت أن عملي انتهى، وقررت الابتعاد عن العمل السياسي بكل كلي، وقد سألني أحد الصحفيين حينها: هل يمكن أن أعود للعمل السياسي بعد أن أسلم الحكم للرئيس المنتخب؟ فأجبته بأني لا أتمنى أن تعود موريتانيا يفرض علي العودة للعمل السياسي بعد أن وضعنا البلد على سكة الانتقال الديمقراطي، وأخذ طريقه على السكة.

وقد تجنبت بعد ذلك القيام بأي نشاط سياسي، كما ابتعدت عن الإدارة الرسمية ولم أجر طيلة هذه الفترة أي اتصال بأي موظف من البواب إلى الرئيس، غادرت العمل السياسي لأني شعرت أني قمت بما يجب تجاه بلدي، لكن مغادرتي للعمل السياسي لم تكن تعني التخلي عن موريتانيا، أو خذلانها إذ احتاجت إلى تدخلي.

 وبعد وقوع التمرد العسكري الشخصي في العام 2008 – كنت حينها خارج البلادوعدت إلى موريتانيا بعد حوالي شهر، وصادف وصولي وجود مفاوضات سياسية بين الأطراف الرئيسية في البلاد، وكنت آمل أن تؤدي تلك المفاوضات إلى إخراج البلد من أزمته، وبسبب ذلك الأمل فضلت التزام الصمت طيلة فترة مفاوضات انواكشوط، ومفاوضات داكار، حتى تم اتفاق داكار وأجريت الانتخابات بموجبه.

وقد كنت صريحا خلال هذه الفترة مع كل من التقيتهم، حيث قلت لهم إن شكلية اتفاق داكار لا يمكن أن يحل أزمة البلد، لكنني ورغم هذه الرؤية حرصت على منح فرصة للحلول السياسية، ومع أن الاتفاق نص على إجراء انتخابات رئاسية توافقية وشفافة فقد كان واضحا من اللحظة الأولى أن السلطة لن تحترم الاتفاق، وإنما سيتم تجييره لتشريع السلطة لنفسها.

ومع تسارع وتيرة التحضيرات للانتخابات الرئاسية قررت الترشح للرئاسة، ومبرري في ذلك أن النظام في طريقه لتشريع نفسه، وقد أردت من خلال الترشيح أن لا يقول الشعب الموريتاني إني تخليت عنهم، أو أنهم لم تتح لهم الفرصة في ظرف استثنائي صعب.

وأود هنا أوضح لمن يتغنون بالنظام ويرددون دعاياته في هذا القضية أنه كان من المعلوم أني ترشحت بعد فترة اعتزال للعمل السياسي، وليس لدي أي حزب سياسي، كما أني أواجه نظاما جاء نتيجة تمرد عسكري شخصي، وبالتالي فمن المستحيل إزاحته شعبيا في مدة لا تتجاوز 15 يوما.

لقد ظللت أقول دائما إنما تم هو تمرد عسكري شخصي، ولا علاقة له بالجيش، ولم ألتزم الصمت بعد ذلك، وخير دليل على ذلك هو مواقفي الدولة المعروفة، لقد كنت صريحا في أن هذا التمرد العسكري الشخصي سيشكل أزمة داخلية وخارجية، وقد صرحت بذلك في كل مكان.

 

الأخبار إنفو: لكن ماذا عن مبررات تسارع وتيرة بياناتكم ومواقفكم خلال الفترة الأخيرة؟

ولد محمد فال:أقول إنه في كل فترة كان يوجد حوار سياسي بين الأحزاب السياسية والنظام في موريتانيا، سواء كان ذلك مع أحزاب سياسية معينة، أو مع تكتلات سياسية، وكنت في كل مرة أقول: ربما يؤدي هذا الحوار إلى إخراج البلد من أزمته؟ لكن الانتخابات الأحادية الأخيرة شكلت قاصمة الظهر لهذا الأمل، وأظهرت أن رأس النظام متماد في تمرده العسكري الشخصي، وأنه لا تفكير لديه ولا إدارة لإنقاذ البلد من أزمته، حيث شكلت هذه الانتخابات استمرار للتمرد الذي بدأ بالانقلاب، وشكلت الانتخابات الأولى مرحلة من مراحله، فيما شكلت الانتخابات الأخيرة مرحلة متقدمة منه.

هذا التمادي في التمرد العسكري الشخصي هو مبرر تصعيدي الأخير، في ظل غياب أي أفق للحل، وهو تصعيد سأواصله في المستقبل حتى يخرج البلد من أزمته.

 الأخبار إنفو: وما الحل من وجهة نظركم؟

 ولد محمد فال:ما أريد أن أؤكد هو الحل لا بد أن يأتي بإرادة النظام أو بدون إرادته، وكل الوقت كل ازدادت خطورة الوضع، وهذا هو ما يدفعنا الآن للعمل على توعية الشعب الموريتاني بهذا الوضع، من أجل الدفع باتجاه حل سياسي قبل أن تتفاقم الأزمة وتخرج عن السيطرة.

الطبيعية لا تقبل الفراغ، وإذا قبل النظام والأطراف السياسية الحل فبها ونعمت، وإذا لم تقبل فسيتم ذلك رغما عنها، وأقول بكل أسف إن موريتانيا الآن مؤهلة أكثر من أي وقت مضى للتعرض لما وقع فيها مالي أو في ليبيريا.

ومن مظاهر ذلك في الساحة السياسية الموريتانية غلبة الخطاب المتطرف، والحضور المتزايد للمرجعية القبلية والإثنية، وهذا نتيجة طبيعية لغياب الدولة، وهو ما يعرض البلد لمخاطر حقيقية قد تؤدي لتلاشيها.

 الأخبار إنفو: أطلقتم عدة تهديدات خلال الفترة الأخيرة، وأعلنتم بعد الانتخابات استحالة الحل السياسي معه، ما هي آلياتكم لتنفيذ هذه التهديدات؟

 ولد محمد فال:أقول إن الوضعية التي وصل إليها النظام الحالي تؤدي به إلى القضاء على نفسه، وهو ما وقع لعدة أنظمة أخرى، لأن غياب الحلول السياسية يؤدي لقضاء النظام على نفسه، وهذا ما أشرت إليه سابقا.

 حين تكون زمرة من خمسة أشخاص يديرون البلد بشكل كامل، وكل همهم هو تمكينهم وزيادة مكدسات المالية فلا شك أن النظام بذلك يقضي على نفسه.

وهنا أعود لقضية كنت قد تحدثت عنها سابقا وأثيرت حولها ضجة كبيرة، وهي قضية قطع العلاقات مع إسرائيل، فقد قلت فيها إن قطع النظام لعلاقاته مع إسرائيل إنما كان من أجل تثبيت نظامه والخروج من الأزمة السياسية، وقد أثبتت وثائق ويكيليكس هذه الخلاصة، وتعرفون أن هذه الوثائق تم إرسالها من السفرين لسلطات بلدانهم وبالتالي فلا مجال للمغالطة فيها،

 لقد قال السفير الإسرائيلي في وثيقة نشرها ويكيلكس إن وزير الخارجية الموريتاني استدعاه وطلب منه العمل على الاعتراف الدولي بالانقلاب، وخصوصا من طرف الأمريكيين، وهدده بأنه إذا لم يتم ذلك فسنقطع علاقتنا معكم، وهنا تم ربط علاقة موريتانيا بمصلحة النظام المتمرد، وليس بمصلحة موريتانيا.

 أما السفير الأمريكي فقد قال في الوثيقة المنشورة عنه إن قطع العلاقات مع إسرائيل مرتبط بتأثير إسرائيل على الأمريكيين في قضية الاعتراف بالانقلاب.

وقد أشار أحد السفيرين في رسالته إلى تزامن قطع هذه العلاقات مع وصول القذافي إلى انواكشوط.

 وأؤكد لكم هنا أن القذافي ضغط على النظام وهدده بسحب الاعتراف به على مستوى الاتحاد الإفريقي إذا لم يقطع العلاقات مع إسرائيل، وخلال 24 ساعة كانت الجرافات تجرف الحواجز المقامة قرب السفارة الإسرائيلية في انواكشوط، وبالتالي فما قام به النظام في هذا المجال كانت من أجل مصلحة شخص، وليس مصلحة موريتانيا.

الأخبار إنفو: مرة أخرى، نعيد لكم السؤال نفسه، ما هو الحل مع ما تصفونه بنظام التمرد الشخصي؟

 ولد محمد فال:أقول بكل بساطة؛ إن قضيتي قضية مبدأ، فالبلد لا يمكن أن يقام على أساس تمرد عسكري فردي، وبالتالي فلا بد من إعادة الأمور كما كانت قبل التمرد، وذلك بتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة تضع حدا للتمرد، وتعيد البلد لنظام سياسي ديمقراطي توافقي.

 وأنا في هذا المضمار لا يمكن أن أتحدث عن أمور تفصيلية كدخول المعارضة في الحكومة أو دخول غيرها، لأنه لا بد قبل ذلك من إعادة بناء المسار السياسي، هذه المطالب الجزئية والتفاصيل الصغيرة والحلول الترقيعية لا تفيد البلد. لا بد من حل جذري يعيد موريتانيا لمسار سياسي واضح وشفاف ونزيه.

 الأخبار إنفو: هل يقدم اعل ولد محمد فال نفسه كبديل عن المعارضة؟

 ولد محمد فال:مشكلتنا الأولى اليوم هي مشكلة شخصنة الأمور، دعونا أولا نصل لحل سياسي، ثم بعد ذلك سنصل لهذه المرحلة. بلدنا الآن في مشكلة سياسية متفاقمة ومستحكمة، والمفارقة اليوم أن معاناة الموالاة اليوم أكثر من معاناة المعارضة، وحديثهم اليوم يكشف حجم هذه المعاناة؛ اجلس مع أي واحد منهم وسترى حجم التبرم والتشكي في أحاديثهم، ستكتشف دون كبير عناء أنهم أكثر سخطا على النظام المعارضة. المعارضة داخل النظام اليوم أكثر من المعارضة.

أكرر دعونا أولا نصل لتوافق سياسي ينقذ البلد، وبعدها ليأخذ كل واحد طريفه الخاصة، القضية الآن قضية إخراج موريتانيا من أزمة التمرد العسكري الشخصي، وإعادته للسكة، وليست مشكلة زعامات شخصية.

 وأؤكد لكم أن علاقتي بكل الطيف السياسي المعارض ممتازة، عكسا لكل ما يشاع في هذا المجال من خلافات هنا أو هناك، وواجبنا الآن هو السعي لحل الأزمة السياسية وخلق مناخ سياسي مناسب.

 الأخبار إنفو: تحدثتم عن إتاحتكم الفرصة للأطراف السياسية للتوصل إلى حل من خلال حوار سياسي، سواء في العام 2008 بعيد الانقلاب، أو في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأولى، إذ افترضنا انطلاقة حوار جديد الآن هل ستيتحون لهم فرصة جديدة؟

 ولد محمد فال:إذ انطلق الآن سياسي جدي وشامل وفي وقت مبكر – وهو ما أستبعده ولا أعتقد إمكانيته رغم رجائي له لأن التجربة في هذا المجال غير مشجعة، وخصوصا منذ التمرد العسكري – أقول إذ وقع ذلك فسأكون أول المرحبين به بشرط أن يكون شاملا وجادا، وبكل أسف أقول إنه لا بوادر لذلك.

 المعارضة منذ ثمانية أعوام تطالب بالحوار السياسي وتدعوا له، وقد مدت يديها وأبدت استعدادها له فرديا وجماعيا، لكن النظام بكل اختصار لا يمتلك القدرة على تنظيم حوار بهذا الشكل.

 الأخبار إنفو: في محور علاقاتكم الخارجية، يقال إنكم تشكلون محورا دوليا يضم المغرب وقطر للضغط على النظام دبلوماسيا؟ ما تعليقكم على هذا الأمر؟

 ولد محمد فال:بالنسبة لعلاقاتي، أنا لدي علاقات مع دول عربية وإفريقية ودولية، كما تربطني علاقات مع شخصيات ومنظمات إقليمية ودولية، وموقفي هو موقفي داخليا وخارجيا، وكل علاقاتي وظفتها في خدمة قناعاتي، وفي سبيل إنقاذ البلد من أزمته.

والأطراف الدولية التي تحدثت عنها في سؤالك ليس هي – ولا غيرها – بحاجة لاعل ولد محمد فال لاتخاذ موقف من النظام الحالي، وأعتقد أن حفل التنصيب الأخير كشف ذلك، فقد أكد إدراك العالم لافتقاد النظام لأي مصداقية أو شرعية سياسية.

 

الأخبار إنفو: ألا يمكن أن يكون للظروف الأمنية تأثيرها على التمثيل الدولي فيه؟

ولد محمد فال:الظروف الأمنية لا يمكن أن يغير موقفا سياسيا لدولة معينة، فمقاطعة دول بعينها لحفل التنصيب، وتخفيض أخرى لتمثيلها لا يمكن أن يفهم إلا في إطاره السياسي.

 

الأخبار إنفو: رغم اقتصار تمثيل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في حفل التنصيب على سفيريهما، فإن علاقاتهما مع الحكومة الحالية توصف بأنها جيدة، وبالأخص في إطار التنسيق في محاربة الإرهاب؟

 ولد محمد فال:يجب أن لا نخلط بين الأمور؛ الدول – وخصوصا الغربية منها – تدرك نوعية الإرهاب الموجودة وهو نوعان؛ أحدهما إرهاب داخلي، والثاني إرهاب خارجي، والإرهاب الخارجي يتغذى على الإرهاب الداخلي.

 وأقول هنا إن أكبر مغذ للإرهاب بمفهومه الشامل هو وجود نظام سياسي ضعيف وهش، ومفتقد للشرعية، ولا يمتلك أي ثقة لدى شعبه، ولا يوفر له أي أمان للمستقبل، وهذا هو واقع غالبية الشعب الموريتاني، وهو ما سيدفع هذه الغالبية للبحث عن ضامن لمستقبله في القبيلة أو الإثنية أو في المنظمات الإرهابية.

 وأود هنا أن أوضح حقيقة غير معروفة، وهي أن فترة النظام الحالي عرفت أكبر اكتتاب للحركات الإرهابية من الداخل الموريتاني، وذلك بسبب انسداد أفق المستقبل في وجوههم.

 العالم يدرك واقع بلدنا على حقيقته، وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، لكن مصالحهم تفرض عليهم التعامل مع النظام القائم، حتى لا يقع انفلات سلطوي، وليس  من واجبهم تقديم حلول سياسية ميدانية، لأن إنقاذ البلد وإخراجه من أزمته مسؤولية الموريتانيين، وأؤكد هنا أن هذه الأطراف ستتعامل مع يجلس في كرسي الرئاسة – حتى ولو كان جمادا – لأن مصلحتهم تقتضي ذلك.

 الأخبار إنفو: برأيكم، ما هي مآلات الوضع الحالي؟

 ولد محمد فال:فقدان الثقة في النظام، وغياب مفهوم الدولة من أ ذهان الشعب، يؤكد أنه لا بد من وقوع تغيير، وإذا لم يتم هذا التغيير بطريقة محكمة ومدروسة ومتوافق عليها، فسيتم من خارج الأطر المعروفة، وهو ما سيعرض البلد لمخاطر حقيقية.

 الأخبار إنفو: في مجال علاقاتكم، يثار الكثير من اللغط حول علاقاتكم في إطار منظمة علاء الدين، وتتهمون في هذا الإطار بعلاقات مشبوهة مع اليهود، وعن خلو بياناتكم الأخيرة من أي موقف من العدوان على غزة، كيف ترون هذا الموضوع؟

 

ولد محمد فال:أريد هنا في البداية أن أذكر بقضية مهمة، هي أن منظمة علاء الدين هي منظمة تضم نخبة من الزعماء من مختلف مناطق العالم؛ سياسية وثقافية وأكاديمية، وهدفها هو الحوار حول القضايا الدولية، وبالتحديد العلاقة بين المسلمين واليهود.

وقد شاركت في أنشطة لهذه المنظمة، وكل مشاركاتي فيها موثقة ومنشورة على موقعها الإلكتروني، ويمكن العودة لها بسهولة، وقد شارك فيها معي وزير الثقافة المغربي ممثلا لملك المغرب، ووزير الثقافة المصري ممثلا للرئيس المصري، فضلا عن عشرات المثقفين المسلمين من عرب وأتراك وغيرهم.

وتناقش أنشطة هذه المنظمة العلاقة بين الحضارات والحوار بينها، وأنا فخور بعضويتي فيها، وبتمثيلي لموريتانيا فيها، وقد دافعت من خلالها عن القضية الفلسطينية، وكل القضايا العربية.

وأنا على اطلاع شامل بكل مساعي النظام لتشويه سمعتي، وادعاء تعاملي مع اليهود، وأقول هنا إن التعامل مع هذا النوع من اليهود مشروع من وجهة نظري، فهي منظمة تجمع الجميع من كل القارات والديانات، وذلك في إطار فكري وثقافي يسعى للوصول لحل للقضايا الدولية بشكل سلمي.

وأقول هنا للذين يتغنون بالتهجم علي، أنتم تضيعون أوقاتكم فيما لا فائدة من فيه، ولا طائل من ورائه، لأن المنظمة معروفة، وأعمالي فيها منشورة، والنغمة التي ترددونها معزولة ومتقوقعة وفقيرة فكريا، وهي التهجم على اليهود دون التفريق بينهم، لأن عداوتنا مع الصهيونية، وليست مع اليهود لأن اليهود منهم معتدلون، ومنهم صهاينة غاصبون.

وخلال الاضطهاد والمعاناة التي تعرض لها اليهود في أوربا وفي غيرها وقف العرب معهم، وآووهم، كما تعايشوا مع جالياتهم في الدول العربية طيلة قرون، وهذه الصورة المتشنجة تجاه اليهود عموما لا أريدها أن تكون لدى الشعب الموريتاني لأن عداوتنا للصهيونية ولمغتصبي الأراضي الفلسطينية المعتدين.

 وأذكر كذالك أنني أحد الأمناء التنفيذيين في منظمة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، التي تدافع عن قضايا فلسطين، وتقف في وجه تهويد القدس وباقي الأراضي الفلسطينية، كما تقف مع الثوابت الفلسطينية.

 كما أنني على علاقة وطيدة بأهم الشخصيات القيادية الفلسطينية المنتمية لهذه المنظمة.

 الأخبار إنفو: هل نصحتم الرئيس الأسبق ولد الشيخ عبد الله بأسلوب للتعامل مع الجيش؟

 ولد محمد فال:أقول هنا إنني حاولت بكل الوسائل أن أحمي ما اتفقنا عليه بشكل إجماعي خلال الفترة الانتقالية، واتخذت كل الإجراءات اللازمة لذلك على مستوى إدارات الدولة.

 وقد أوصيت الرئيس ولد الشيخ عبد الله الذي خلفني في الحكم بثلاث ملفات أكشفها هنا لأول مرة:

-         الملف الأول: هو مركز مشروع وسط مدينة انواكشوط: وكانت دراساته قد انتهت، وقد أوصيته بمتابعته لحاجة المدينة إليه.

 -         الملف الثاني: هو مشروع حماية انواكشوط من تهديد المحيط الأطلسي: وكان الهولنديون قد أعدوا – بناء على طلب منا – دراسة عنه، وذلك بعد الاختراقات التي وقعت في الحاجز الذي يحمي العاصمة انواكشوط.

- الملف الثالث: هو حماية توازن الجيش: وأخبرت الرئيس أننا خرجنا لتونا من حكم عسكري دام أكثر من عشرين سنة، وأن تدخل الجيش في 2005 كان من أجل إعادة البلد للمسار الديمقراطي، وإنني أود أن أقول له إن الجيش قائم على مجموعة من التوازنات، من بنيها توازن بين أجيال الضباط داخل الجيش، وبين مجموعات أخرى داخله، وأن عليه أن يحافظ على هذا التوازن حتى لا تقع تصفية حسابات داخل الجيش، ولا يتم إقصاء مجموعة لصالح أخرى، وإنما عليه أن يحمي كل الأطراف.

 وأكدت له أن خير ضامن لوجود جيش نظامي يحمي الديمقراطية ويحافظ عليها هو الحفاظ على ذلك التوازن، وإذا لم يتم الحفاظ عليه فسنعود للمربع الأول.

 وقد اقترحت عليه اختيار شخصية معروفة بتجربتها العسكرية ونزاهتها ومصداقيتها، لمنصب وزير الدفاع، وإبقائها للفترة التي يراها مناسبة، وذلك من أجل النأي بنفسه عن هذا الملف، حتى تكتمل رؤيته لكل الملفات الوطنية، خصوصا وأنه كان قد عاد قبل فترة وجيزة من الخارج.

 وودعته بعدها مؤكدا أنني لن أتصل به إطلاقا في قضية شخصية، كما أكدت له وضع تجربتي وخبرتي خلال 30 سنة في خدمة البلد.

لكن – وبكل أسف – لم يعمل بنصيحتي فخلال أسابيع تمت ترقيات كانت نتيجتها الطبيعية هي ما وصلنا إليه الآن.

 

الأخبار إنفو: وما هي الأسس التي لم تحترم في هذه الترقيات؟

 

ولد محمد فال:إن الترقيات في الجيش تخضع لقواعد العدل، وللأقدمية والكفاءة، الترقيات تخضع من الناحية القانونية داخل الجيش لقواعد العدل، وللأقدمية وللكفاءة، ومن رقوا حينها كان هناك حوالي 40 ضابطا أقدم منهم وأكثر كفاءة، وهو ما أدى لتهميشهم، فضلا عن احتقار تجربتهم وخدمتهم في الجيش الوطني.

وهذا النوع من التصرف إذا تم في مؤسسة عادية فسيثير إشكالات، فكيف إذا كان ذلك في مؤسسة عسكرية لها قواعدها الصارمة وضوابطها.

 ولذا كان لا بد من ابتعاث هؤلاء إلى الخارج أو إبعادهم من قيادة الجيش.

وأود أن أقول – بكل أسفإن الجيش الآن أصبح في وضعية أشبه ما تكون بوضعية المليشيا، حيث تتم التعيينات على أساس الولاء والثقة، وليس على أساس الأقدمية والكفاءة، وهو هو أسلوب المليشيات، وذلك خلافا للجيش النظامي ذي الصرامة التنظمية والقواعد والضوابط الصارمة.

 الأخبار إنفو: دعونا نعود لانقلاب 2005، متى بدأتم التفكير في تنفيذ هذا الانقلاب؟.

 ولد محمد فال:بالنسبة لي أرى أن الانقلابات هي آخر الدواء، وما دام النظام قادرا على تسيير البلد، فالانقلاب خطر حقيقي ولا يمكن أن يكون حلا، والفيصل في ذلك هو الوضعية التي يعيشها البلد.

 كنت أتابع الوضع في البلد وأرى أنه إذا وصل مرحلة لا يمكن السيطرة عليها مثل ما وقع 2003 فلا بد من التدخل، لأنه لأول مرة يتم تبادل إطلاق النار بين الجيش، وقد أوشكنا على وضع مشابه في العام 2004.

 وقد اتضح خلال هذه المرحلة أن النظام أصبح في وضع لا يمكنه تسيير البلاد، خصوصا وأنه بعد كل هذه الأحداث لم يسر في اتجاه حل الأزمات، ولا تغيير الأوضاع إلى الأحسن.

ومع أن العام 2003 عرف إجراء انتخابات رئاسية – كانت في عمومها أفضل من انتخابات 2014 – فإنها لم تشكل حلا للأزمة السياسية، بقدر ما شكلت امتدادا للمرحلة التي سبقتها.

وأود هنا أن أوضح أن الموريتانيين يتصورون أن التحول إلى دولة فاشلة لا يمكن أن يحصل إلا في الصومال أو في الدول المشابهة لها، وهذا التصور خاطئ، التحول إلى دولة فاشلة يمكن أن يحدث في أي دولة، مثلا لو استمرت مواجهات انقلاب يونيو 2003 يوما آخر لتلاشت الدولة، وفقدت المؤسسات أدوارها.

 الأخبار إنفو: ما هو تقييمكم للوضع الأمني في البلاد الآن، في ظل الحديث عن إنجازات كبيرة وتطوير عرفه هذا المجال خلال الأعوام الماضية؟

 ولد محمد فال:الأمن يجب أن ينظر إليها بمفهومه العام.

وهنا أتساءل: أين الأمن؟ فنحن في بلد يقيم رئيسه انتخابات أحادية ويقصي كل الأطراف السياسية.

 أين الأمن؟ ونحن في بلد قضى رئيسه على كل الإصلاحات الاقتصادية التي قمنا بها في الفترة الانتقالية، وذلك من خلال ارتفاع صاروخي للأسعار امتص كل الزيادات التي قمنا بها في الرواتب، والتي وصلت – حينها - 100%، فضلا عن إدخال البلاد في أزمة اقتصادية شاملة.

 أما على المستوى العسكري فنحن لم نسجل أي انتصار على القاعدة منذ انقلاب 2008، فقد وقعت منذ ذلك الوقت عدة عمليات، من بينها عملية تورين وقد فقدنا فيها نصف كتيبة من كتائبنا، ووقعت بعضها عملية حاسي سيدي وفقدنا فيها كتيبة كاملة وبكل عتادها، وبعدها وقعت مواجهات في وقادو، وردت القاعدة بعملية باسكنو.

أما الانتصار الوحيد الذي حققناه فهو قصف مسنة وابنتها كانتا في ركب قريب من تمبكتو، وقد تم تعويضهما عن هذا الحادث من الخزينة العامة، وعلى حساب الشعب الموريتاني.

وأؤكد هنا أن هذا الفشل سببه الحقيقي هو رأس النظام الذي أخذ القيادة الفعلية للجيش، وهمش القيادة الحقيقية الميدانية التي تمتلك التجربة والخبرة، بسبب مصادرته لهذه القيادة وانعدام خبرته وقعت هذه الحوادث التي لا يتحمل الجيش ولا قيادته الميدانية أي مسؤولية فيها.

 الأخبار إنفو: وماذا عن الوضع الأمني في البلد؟

 ولد محمد فال:أرى أن أكبر خطر يتهدد موريتانيا الآن هو تحلل الدولة وتفككها، فلم يعد لموريتانيا الآن من ينتمي لها ولا من يدافع عنها، لأن النبرة القبلية والإثنية والعرقية أضحت غالبة في الخطاب العام في موريتانيا.

 كما أن الفترة الأخيرة عرفت أكبر اكتتاب للمنظمات الإرهابية في أحياء موريتانيا، وقد ظهر ذلك من خلال سيطرة القاعدة على مناطق واسعة في مالي في فترة وجيزة، ولولا التدخل الفرنسي هناك لتعرضت بلادنا لمخاطر حقيقية.

 أما التسيب الأمني في الداخل فأنتم أدرى به.

 والمشكلة الحقيقية أن ما وقع حتى الآن لا يمكن أن يقارن بما سيقع في المستقبل في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه.

 الأخبار إنفو: عرفت موريتانيا خلال الأعوام الأخيرة إنشاء جهاز أمني جديد، كما تمت إعادة توزيع الصلاحيات بين الأجهزة الأمنية، كيف ترون هذا الملف؟

 ولد محمد فال:دعني أقول لك إن إقامة هذا الجهاز الأمني الجديد لا معنى له، ولا يمكنني أن أجد له تفسيرا، لأن الجهاز الجديد أنشأ نتيجة خلط بين جهازين هما جهاز الشرطة وجهاز الحرس، وأضحى التداخل كبيرا بين اختصاصه واختصاص هذين الجهازين.

كما تم قتل جهاز الشرطة ذي التجربة الأمنية الطويلة.

 ولا مبرر إطلاقا لإيجاد جهاز جديد سوى التطفل والتخبط، فالبلد منذ العام 2008 وكل قراراته مزاجية، حتى ولم تمت معرفة فشل القرار أو الجهاز فلا تراجع عنه، ولو كانت القرارات الخاطئة يتم التراجع عنها لكان الوضع أفضل.

 الأخبار إنفو: كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تجديد الطبقة السياسية، هل من تعليق على الموضوع؟

 ولد محمد فال:تجديد الطبقة السياسية ليس قرارا إداريا ولا سياسيا إلا في الأنظمة الدكتاتورية والشمولية التي تحدد للناس من يمثلها، وللأحزاب من يقودها، في ظل تهميش الأطراف الأخرى، أما في الأنظمة الديمقراطية فتجديد الطبقة سيرورة طبيعية في اختيارات الناس وفي تطوراتهم.

وأضيف أيضا أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن جاء بتمرد عسكري وبانتخابات أحادية وملفوظ وطنيا ودوليا لا يمكن أن يفرز تجديدا سياسيا في البلد.

 الأخبار إنفو: هل من مقارنة أو أوجه شبه بين النظام الحالي ونظام ولد الطايع؟

 

ولد محمد فال:النظام الحالي هو أسوأ نظام عرفته البلاد، وأقول هذا انطلاقا من أنني عايشت كل الأنظمة الوطنية، وخدمت مع بعضها، فهذا النظام لا يمكن مقارنته بأي منها لأنه لا يشبه إلا نفسه.

أو قل إنه نسخة مشوهة من آخر فترة حكم ولد الطايع، وذلك من خلال العودة الجشعة بالبلاد إلى الأساليب التي تسببت وضع حد لذلك النظام.

 وأتوقف هنا لأقول إنني أحترم ولد الطايع، وأعتبره وطنيا، وقد حاول خدمة البلد بما استطاع، ولا أشك في وطنيته وقدراته.

 ولد الطايع بالنسبة لي كان وطنيا وساعيا في خدمة البلد، لكن ممارسة السلطة وتقدم الزمن أوقعه في بعض الأخطاء.

 الأخبار إنفو: هل من كلمة أخيرة؟

 ولد محمد فال:أؤكد للشعب الموريتانية الكلمة التي كررتها أكثر من مرة، وهي أنه من المحال أن يستقر البلد أو يتقدم في ظل استمرار التمرد العسكري الشخصي، واستمرار سيؤدي إلى تآكل الدولة وتحلل مؤسساتها، وهذا ما لا يمكن اكتشافه لأنه يتم بشكل تدريجي، وإذا لم تتم تسويته فسيعصف بالبلد وباستقراره السياسي والأمني.

 وعلى الشعب الموريتاني أن يدرك خطورة الوضع، وأن يسعى لتداركه قبل أن يتلاشى مشروع الدولة الذي أقامه الشعب من استقلاله، ولا يبقى للشعب سوى التباكي على أشلائه.

 وقد بدأت الدولة في التآكل والتحلل منذ اليوم الأول للتمرد العسكري الشخصي، وفي لحظة ما – أو حادث ما – قد ينفجر الوضع ويؤدي لكوارث حقيقية.

 

نقلا عن صحيفة "الأخبار إنفو" الأسبوعية