مقدمة تا ريخية
سميت البلاد المعروفة حاليا بالجمهورية الإسلامية الموريتانية بأسماء متعددة أكثرها ذيوعا وشهرة: صحراء الملثمين , وبلاد التكرور , وبلاد شنقيط , وبلاد السيبة , وموريتانيا ولم تعرف البلاد هذه التسميات في فترة زمنية واحدة وإنما لكل زمن تسميته الخاصة به حسب الدلالة
التي تشير إلي الطابع الذي تعيشه البلاد تلك الفترة وأطلقت التسمية موريتانيا أو ( بلاد السمر ) من قبل:( أكزافي كبلاني) في :27 دجمبر 1899 من خلال مشروعه الاحتلالي الشهير الذي وافقت عليه السلطات الفرنسية وأصبحت هذه التسمية موريتانيا تطلق علي المناطق الواقعة علي الضفة اليمني لنهر صنهاجة جنوبا حيث تحدها الجزائر شمالا والجدود المغربية عند رأس يتي , طرفاية والمحيط الأطلسي غربا حتى تمبكتو شرقا غير أن التنافس الإمبريالي بين فرنسا وأسبانيا علي استعمار المغرب الأقصى أدي إلي تنازل فرنسا لأسبانيا عن شمال هذه المنطقة خاصة الجزء الواقع بين الرأس الأبيض وأقصي المغرب وذلك تطبيقا لاتفاقية : 29يونيو 1900 وكان هدف فرنسا من هذه التسمية إحياء عهد قديم من عهود التسلط الأوروبي علي شمال إفريقي متمثلا في الاحتلال البيزنطي لشبه المنطقة التي من بينها موريتانيا التي كانت عبارة عن مملكة من ممالك البربر فنشأت في أواخر عهد القرطاجيين وذلك بعد نمو الوعي السياسي البربري عندما حاولوا تكوين كيانات سياسية مستقلة بتشجيع من الرومان البيزنطيين حيث حكم البربر موريتانيا
- والهدف الثاني عند فرنسا من هذه التسمية يتمثل في طي صفحة تاريخية مشرقة عرفتها البلاد عندما اشتهرت عند الأقطار العربية الإسلامية ببلاد شنقيط حيث أراد الفرنسيون طمسها قصد عزلها عن محيطها العربي الإسلامي وبلاد شنقيط تسمية أطلقها المشارقة علي هذه المنطقة نسبة إلي مدينة شنقيط التاريخية التي كلت منارة للعلم خلال التاريخ الوسيط كما مثلت مركزا لتجمع الحجيج القادمين من مناطق الصحراء وبلاد السودان وكان أول من استخدم هذه التسمية من أبناء المنطقة هو العلامة : سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم المتوفي عام 1233هـ الموافق 1817م في كتابه( صحيحة النقل في علوية إدوعل وبكرية محمد قلي)
المجـــال البشــــري:
كان المجتمع الموريتاني قبيل الاستعمار مجتمعا طبقيا مقسم إلي عدة فئات تتحدد كل منها حسب العمل الذي يعتبر معيارا حقيقيا لتحديد المنزلة الاجتماعية وعموما ينقسم السكان إلي مجموعتين:
المجموعة الأولي : البيظان وأغلب سكانها من البدو الرحل ويستقر البعض منها موسميا في الحواضر والقري والواحات
المجموعة الثانية : الزنوج الأفارقة وتتألف من ثلاث قوميات وهي : الهالبولار في كركل والسوننكي في كيدي ماغة والولف عند مصب نهر صنهاجة وأفراد هذه المجموعة مزارعون بدرجة أساسية كما يمارسون صيد الأسماك بشكل مستقر بأسثناء الفلان الذين تشبه حياتهم حياة البيظان من خلال الانتجاع والترحال وراء قطعان البقر وقد ارتبطت المجموعتان بشكل وثيق علي مر التاريخ بروابط يجمعها الدين الإسلامي والأخذ بالمذهب المالكي فضلا عن انتشار المذاهب الصوفية من خلال الطريقتين القادرية والتيجانية وتجسد النظام الطبقي أكثر لدي البيظان حيث توجد طبقات سائدة وأخري تابعة فمجموعة حسان تحتكر السلطة وحمل السلاح لنفسها ومجموعة الزوايا تتخصص في الشؤون الدينية والثقافية وبين الطبقتين توجد فئات أخري فرضت عليها التبعية السياسية والعسكرية والاقتصادية حيث تدفع الرسوم الضريبية والمغارم ذلك لأنها مغلوبة علي أمرها وليس لها استقلال قبلي ولا تتمتع بملكية الأرض مما فرض عليها الاحتماء بإحدى الطائفتين المسيطرتين فيتم استغلالها في تربية الماشية والزراعة والصناعة التقليدية وكل أنواع السخرة
الاقتصـــــــاد:
كان الاقتصاد الموريتاني قبيل الاستعمار يعتمد علي الزراعة والتنمية الحيوانية وبالرغم من هشاشة هذا الاقتصاد بحكم اعتماده علي التقنيات البدائية وافتقاره للخبرة الفنية وتعرضه للانعكاسات المناخية المتذبذبة وما صاحب ذلك من انعدام الأمن وثقل النظام الضريبي فإن البلاد كانت تعيش قبل الاحتلال نوعا من الاكتفاء الذاتي بفعل نظام المقايضة الذي وفر التكامل الاقتصادي بشكل كبير ولم تكن المنطقة بمعزل عن العالم الخارجي بل كانت لها صلات تجارية ضاربة في القدم مع الشمال الإفريقي من خلال التجارة عبر الصحراء التي شاركت فيها بشكل فعال حواضر كشنقيط , تيشيت ,وادان, ولاته. وكانت هذه التجارة تعتمد علي مواد مختلفة كالذهب, والملح.ثم ظهرت التجارة الأطلسية التي تعتمد علي مادة العلك دون سواها.
الاحتلال والمقاومة:
وللحديث عن تاريخ المقومة الموريتانية لابد من تقديم السباق الكرونولوجي التالي:
-1898 تم تكليف كبلاني من طرف الحاكم الفرنسي في أرض السودان بالتفاوض مع البيظان والطوارق لإخضاعهم.
-1899 تمت المصادقة علي مشروع كبلاني الاحتلالي والذي يقوم علي سياسة الملاينة .
-1900 توقيع اتفاقية فرنسية أسبانية لترسيم الحدود بينهما في موريتانيا و جنوب المغرب.
- مارس 1902 تكوين رتل عسكري فرنسي لحماية اترارزة.
- دجمبر 1902 وصول كبلاني إلى منطقة اترارزة واعدا الناس بالأمن وحقن الدماء وعدم التعرض للدين.
- 5يناير1903 صدور فتوى دينية من طرف باب بن الشيخ سيديا تبيح التعامل مع النصارى.
- دجمبر1903 سمي كبلاني مندوبا مكلفا باترارزة.
- انشاء منطقة عسكرية بنواكشوط تحت قيادة فرير جان.
-دجمبر 1903 إنشاء مركز تموين في بوكي.
-دجمبر 1903 إعلان المقاومة العسكرية من طرف الأميرين بكار بن أسويد أحمد و أحمدو بن سيد أعل.
- دجمبر 1903 معركة ألاق بقيادة أحمدو بن سيد أعل.
- فبراير 1904معركة ميت بقيادة بكار بن أسويد أحمد.
-مايو 1904 انشاء مركز عسكري في أمبود.
-1904 تأسيس اقليم موريتانيا المدني.
-15فبراير1905 وصول كبلاني علي رأس فرقة حربية إلي مال وألاق
-20 فبراير 1905 وصول كبلاني إلي تكانت.
-26فبراير 1905 معركة دركل بقيادة بكار بن أسويد أحمد.
-مارس 1905 وصول كبلاني إلي كصر البركة.
-12مارس 1905 وصول كبلاني إلي الحسينية.
-01ابريل 1905 معركة بكادوم برأس الفيل واستشهاد الأمير بكار.
-12 مايو 1905 معركة تجكجة الفاصلة وموت الطاغية كبلاني.
وهكذا عجز المحتل عن وقف الزحف التحرري الذي بعث علي يد رجال أشاوس مغاوير أبوا إلا أن يخلدهم التاريخ بأحرف ذهبية بيد أنهم نساهم البعض عن قصد أو عن غير قصد وطمست بطولتهم ومحيت معاركهم من المقررات الدراسية دون مسوغ تربوي واليوم ونحن نسترجع الذكري الإحدى والخمسين للاستغلال الوطني وجب علينا أن نقف وقفة تأمل عند احدي المعارك التاريخية هي:
معركــة النيـمـلان التـاريـخـيـة
من المعارك التي دوخت المستعمر الفرنسي في موريتانيا
النصب التذكاري للمعركة
وقعت هذه المعركة في النيملان بتكانت في موقع استراتجي عسكريا كان من اختيار رجال المقاومة وهو مكان مرتفع يسمي أجريف يشرف علي مجري الوادي الذي تشابكت أشجاره ليصلح لعمليات الكر والفرو التخفي وقرب هذا المكان بالذات كانت تمر الطريق الرابط بين تجكجة المجرية السينغال
ومن الأسباب المباشرة للمعركة هو:
أن مولاي إدريس بن عبد الرحمن المغربي القادم لتوه من اسما ره قصد الانضمام إلي المقاومة قد أرسل رسالة إنذار إلي حاكم تجكجة يدعوه إلي الخروج الفور أللا مشروط من تكانت وإن لم يفعل سيخرج بالقوة وقد حررت تلك الرسالة بتاريخ:11 أكتوبر 1906 بمنطقة أغلمبيت 35 كلم شمال غرب النيملان في الوقت الذي كانت مجموعات :
اديبسات
–أهل سيدي محمود
-السواكر
–الرعيان
-تجكانت
-مسومة
تضمر عدائها للنصارى مما جعلها تتبني الفتوى التحررية التي أصدرها الشيخ ماء العينين فأخذت تقترب من تكانت مظهرة الانتجاع لكنها عازمة علي التنفيذ الحرفي لنص رسالة مولاي إدريس لتنضم إلي مجموعة (كنته )التي موهت نفسها من خلال الخطة المحكمة التي دبرها قائد جيشها محمد المختار بن الحامد الذي غالط الفرنسيين وأعلن لهم الولاء فظنوا أنه حليفهم خاصة أنه بدأ يدفع الضرائب ويتظاهر بالعداء لخصومهم في الوقت الذي أنشد يقول:
كبلان يغيلان مارت عن ماه واع داير من راع وآن مان كاع الراص راع
وقد صدق حاكم تجكجة النقيب (تيسو) ما ادعاه فمده بالسلاح وهكذا اكتملت الاستعدادات اللوجستية من طرف المقاومة التي ضربت خيامها العسكرية علي الطريق الذي يسلكه بريد الاستعمار لقطع المواصلات وذلك يوم:24-10-1906 وصلت الرسالة إلي تيسو فما كان منه إلا أن أعتقل حاملها وجرده من السلاح وأطلق رصاصة فوق رأسه وخاطبه قائلا هذا هو جوابكم وأعد العدة و عزم علي مباغتة الرجال ليلا بعد أن أرسل إلي قائد كنتة يطلب منه المساعدة فرفض وجهز العدو الطاغية جيشا يتكون من:
-ضابطين برتبة ملازم
-ضابطي صف برتبة رقيب
-1ممرض
-60جنديا
-15 كوميا
وانطلق الزحف صوب النيملان بسرية تامة حيث منع عناصره من إيقاد النار أو المصابيح غير أن المقاومة كانت يقظة فقد استطاعت عيونها ملاحظة تحرك جيش العدو وقام الدليل بعملية تضليل للجيش حتى يتمكن المقاومون من الاستعداد وهو ما تم بالفعل وفي صباح :26-أكتوبر 1906 التقي الجمعان حيث وصلت الكتيبة الفرنسية من الشرقية العدوة للوادي وهو مكان مكشوف بينما جماعة مولاي إدريس فقد نصبت كمينها من الناحية الغربية والجنوبية وهي عبارة عن مرتفعات صخرية أما جماعة محمد المختار فهي مكلفة بالتدخل السريع من الناحية الشمالية وهي أشجار وحجارة وما إن تدلي أول الكتيبة الفرنسية صوب منخفض الوادي حتى أمطرت بوابل الرصاص من طرف جماعة مولاي إدريس فضاق الخناق علي الأعداء الذين بدؤوا في التقهقر والفرار غير أن بنادق ولد الحامد ذات الأصل الفرنسي كانت لهم بالمرصاد فدارت عليهم الدائرة وبلغت قلوبهم حناجرهم واحتدم القتال واستعرت نيران مدفع (بتاسارت) الرشاش وثبت المجاهدون ثباتا مستميتا وتعالت تكبيراتهم وبدأ البعض يحرض علي القتال قائلا: (من فاته يوم بدر فليشهد هذا اليوم )
فهزم العدو شر هزيمة فاحتمي ببعض الصخور لكن دون جدوى فقد تمت مطاردة الفارين حتى تجكجة التي حوصرت قلعتها 24 يوما وقد هلك الضباط الأربعة وهم:الملازم (أندري) الملازم (دفرانسي) الرقيب (أفليرت)الرقيب (أفيليب)
أما الشهداء فمنهم:
- محمد المختار بن سيد أحمد لبات (إدوعيش)
-عثمان بن أعمر بن بكار بن أسويد أحمد(ادوعيش)
-عثمان بن المختار بن عثمان بن الرسول بن أعل بابي
-محمد بن بكار بن الهيبة
-عثمان بن الرسول بن اعل بن بكار بن محمد خونه
-أحمد بن محمدفال بن أحمياده بن الدو بن أحمد بن عمار (أولاد أعل أنتونف)
-حماد بن إجمار (السواكر)
-عالي بن الشيخ القاضي (اجيجبه)
-سيدي محمد بن البيضاوي (تجكانت)
-محمد الاغظف بن الشيخ بن الجودة (لغلال)
-أحمد بن أحمد بن الحسين بن مادي(تندغه)
هكذا تمت إبادة المفرزة الفرنسية بالكامل وقد ورد في بعض البرقيات الفرنسية أن القتال استمر من الثامنة صباحا إلي الحادية عشر وأن الكتيبة اضطرت للقتال متقهقرة نحو تجكجة والخسائر مرتفعة والأوربيون الأربعة قتلوا.
إن معركة النيملان التاريخية دليل ساطع وبرهان يقطع الشك باليقين أن الشعب الموريتاني بمختلف أطيافه قادر علي رفع التحدي في أي وقت إذا ما اتحد ففي وقعة النيملان استطاعت القبائل الموريتانية تجاوز الخلافات الداخلية والوقوف صفا واحد أمام عدولا يرحم شعاره فرق تسد .
الدروس والعبر:
يمكن أن نستنتج من المحطات البارزة في المقومة الموريتانية ما يلي:
-أن الإسلام هو أول عنصر لوحدة الشعب قديما وحديثا.
-أن الاستعمار عمل علي تشتيت العباد وتخريب البلاد غير أن المقاومة العسكرية وحدت الصفوف وعززت اللحمة الاجتماعية.
-أن المقاومة التي أنتجها الموريتانيون قد وفرت الظروف الموضوعية لإحداث بعض المضاعفات الاجتماعية علي المدى الطويل حيث بدأت الفوارق الاجتماعية تذوب والتقسيمات القبلية تمحي .
-أن معركة البناء والتنمية مسلسل صعب و طويل الأمد لهذا يجب علي كل موريتاني أن يستعد لخوض تلك المعركة المقدسة.
-أن موريتانيا الإسلامية العربية الأفريقية قادرة علي مسايرة الركب وتخطي الصعاب.
-أن الآلام المصاحبة لميلاد الأمة الموريتانية كانت شديدة وبالتالي من الواجب الحفاظ علي وحدتها حتى لا تتعمق الجراح .
-أن الوحدة الموريتانية التي واكبت الاستقلال درس من الدروس التي يجب أن تتعلمها الشعوب حديثة العهد بالاستقلال وتلك التي مازالت في طريقها إليه وأن يتذكرها الموريتانيون المحدثون كلما لاح خلاف في الأفق لاستلهام الدروس والعبر.
واجبنا اتجاه المقاومة:
لقد حظيت المقاومة السنة المنصرمة بتسمية شارع ذائع الصيت باسمها وهي أول خطوة جبارة ولفتة كريمة علي ماضينا التحرري الوضاء ضد الوجود الإمبريالي الذي جثم علي أديم أرضنا الطاهرة فهذا أول تكريم للمقاومة وأبطالها لكنها مازالت بحاجة إلي ما يلي:
1-أرشفة تاريخ المقاومة العسكرية عن طريق جمع مزيد من المعلومات التاريخية عن أولئك الذين لا يعرفهم الكثير منا رغم بطولاتهم الخالدة في سبيل الإنعتاق والحرية.
2- تشهير ورعاية مقابر الشهداء
3-التخلص من رواسب التبعية للاستعمار وفي مقدمتها التبعية الثقافية التي تتجسد في فرنسة الإدارة واستلاب الهوية.
وفي الأخير هنيئا للشعب الموريتاني بوجود أبطال المقاومة المناضلين الذين أكرهوا المعمر علي الرحيل بجحافل جيوشه الجرارة وأقنعوه يقينا أن هذا الشعب عصي علي الخضوع والانسلاخ من دينه وقيمه وثقافته وهويته
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته