الشاعر الفخر بقلم الأستاذ / محمد ولد سيدأحماد

طيلة مسار المجتمع الموريتاني ظل الشعر رسولا صبورا وحارسا أمينا و مع بداية تأسيس الدولة الحديثة و بالذات قبل و بعد  الاستقلال  عانى الشعراء –كغيرهم ــ مما يسمى إثبات الهوية ليجد جيل المرحلة أنفسهم أمام تحد كبير هو إقناع العالم العربي بأن الجمهورية الإسلامية الموريتانية جزء منه يتقاسم معها التاريخ والحضارة والدين و الهوية.

 

وهكذا تحرك الموكب في دبلوماسية واعية تجمع بين السياسة والشعر كما أورد العلامة حمدا ولد التاه في بعض مقابلاته ليتداعى الشعراء في موجة سيطرة الخطاب الرمانسي فيثبتوا
 أن الرومانسية ليست كلها حلما بل هي في بعض الأحيان مجابهة ورسم لواقع فهذا فاضل أمين يصدح منشدا:

عربي أنا فيا أرض غيضي
 و سماء اشرقي وجد يا سحاب
 وعند ما وقف أحمدو ولد عبد القادر في بغداد لم ينس الرسالة بل أنشد:

   موكب النور هي ترى من بعيد
وجه مشتاقك الحزين العنيد

أنا طيف و خاطر عربي

لم يعانقك بعد موت الجدود
 أنا شنقيط فهل سمعت بوحي

من رمالي أو درة من عقودي
جئتك اليوم زائرا و شعوري
 باقة الفخر و الوفاء للعهود
انتهت القمة و اعترف بموريتانيا عضوا في جامعة الدول العربية حين أثبتت جدارتها و قوتها بفضل جماعة آمنت بوطنها وضحت من أجله و كانوا دائما يعودون معززين مكرمين ، كما حدث مع الشاعر الأديب ناجي محمد الإمام عندما عاد بلقب متنبي موريتانيا لكن حقبا تتالت ران فيها علينا ما جعل الشعلة يخبو ضوؤها أما في الفترات الأخيرة و منذ سنين فقط فقد بدأنا نتحرك لنستعيد تلك المكانة ولا أدل على ذلك من الحضور المشرف لشعرائنا في كل المسابقات والمهرجانات الأدبية والشعرية العربية فكلكم تتذكرون
 العلم الوطني مرفرفا في سماء شاطئ الراحة و غيره وكلكم تتذكرون  أباشجة و سيد محمد ولد بمب وأدي ولد آدبه و جاكتي سك  و الشيخ ولد بلعمش في معمعة صراع شعري يأخذ
 الألباب و يحلق في فضاء أدبي بين الجمهور و لجنة التحكيم و ملايين المشاهدين من عشاق الكلمة الشعرية و قد أسهم أولئك إسهاما كبيرا في لفت أنظار العالم العربي إلينا وفي هذا الإطار يأخذ الشاعر العميد أدوه ولد بنيوك و غيره مكانتهم بين الكوكبة و
 أتذكر إسهام هؤلاء و أقدره و أثمنه
 و أعترف لهم بعطائهم لكنني استسمحهم لأقدم وقفة لا شعورية مع مشهد لن ينمحي أبدا من ذاكرتي مشهد تراءى لي من خلاله كل ما
 يعينه الوطن الموريتاني من أبعاد مشهد رأيت خلاله:
 أجفان بلقيس ... وجيد سعاد
ورأيت منزلها  القديم و حجرة
كانت بها أمي تمد و سادي
إنها لحظة أرتني أولئك الأبطال المجاهدين و هو يكيلون
 للمستعمر الهزائم تلو الهزائم، أرتني ولد أطوير الجنة و لد
 أتلاميد و بكار ولد أسويد أحمد و ممادو لامين و لد أحمد العيد..و غيرهم و هم يجوبون على ظهور خليهم وعيسهم هذه الأرض الطيبة و التي وصفها البعض خطأ بالأرض السائبة لكنها لم تكن
 يوما كذلك... لحظة أعادتني إلى باب ولد الشيخ سيديا و محمدن ولد سيد ابراهيم و سيداتي ولد آب و هم يوقعون السيمفونية الخالدة (النشيد الوطني) ليرتفع عاليا في هذه السماء هذا العلم الأخضر الواعد المزين بالهلال و النجم الذهبيين.
و في استقراء للموقف أحسست من أعماقي أن شاعرنا محمد ولد
 الطالب كان يعي جيدا دقة الموقف و صعوبته فهو يمثل وطنا و فنا و أمة و ذاته في آن واحد فجمع في عبقرية فريدة بين جنون الشعر و دبلوماسية الأخلاق والوفاء للوطن و الغيرة عليه مع مراعاة القيم الفنية للأدب مطوقا بذلك أي جهد للجنة التحكيم نافحا
 روحا جديدة في شاعر بني حمدان و فارسها أبي فراس الحمداني في تلك المجاراة الرائعة  لأحدى روميات ذلك الشاعر الأمير
 الأسير الذي تنهد قائلا في
 سجنه:

أراك عصي الدعم شيمتك الصبر
أما للهوى نهي عليك و لا أمر
 إذا الليل أَضواني بسطت يد الهوى
و أذللت دمعا من خلائقه الكبر
معللتي بالوصل و الموت دونه
إذا مت ظمأنا فلا نزل القطر

سيذكرني قومي إذا جد جدهم

و في الليلة الظلماء يفتقد البدر
إلى آخر تلك القصيدة الرائعة ليأتي دور شاعرنا متقيدا بشروط المجاراة حاذفا فعل أراك و مع ذلك لم ينس أن الشاعر في كل لحظة يحمل هما ويدافع عن قضية فنشر معاناة الأمة العربية و حالها و القضية الفلسطينية عبر الأثير بعد أن ذكر بمكانة أبي فراس في قومه و عند العرب لكنه في الحقيقة ما كان يعني عندي
 إلا ذاته عندما مثل وطنه خير تمثيل فاستحق منها أن نخلع عليه لقب الشاعر الفخر:
رهين قيود الروم يلهو بك الغدر
فلا فدية ترجى و لا صولة بكر
خلعت على الأوجاع ناشئة الدجى

وأجهشت بالأشعار فانتشر العطر
 و قد علمت حمدان أنك سيفها
 و فارسها المغوار و الشاعر الفخر

سددت عيون الشمس حتى تغيبت
فقامتك الفرعاء من دونها ستر
و لم تحل الجدران بيك والرؤى
نديماك فيها كبرياؤك و الشعر
وأفردت في زنزانة لا مؤازرا
ومن أين تأتيك المواساة و الأزر

ومن كل فج ترقب الفجر طالعا
وعن نظرات القدس قد حجب الفجر
فدجلة ترنو للفرات كئيبة
قد اقتسما حزنا و ماؤهما مر

وتلك مياه النيل ساموا مذاقها
فلم ينج لا نهر لدينا و لا بحر
أبا الفخر لا أٍسر شربت به النوى
و لكن أٍسر الحلم فينا هوالأسر
تلك إذن وقفة مع لحظة رسمها في ذاكرتي الشاعر الفخر محمد
 ولد الطالب لكن هذا اللقب ليس حكرا عليه وحده فكل من مثل الجمهورية الإسلامية الموريتانية خير تمثيل يستحق هذا اللقب فإذا كان رئيسا كان الرئيس الفخر و إذا كان وزيرا كان الوزير الفخر و إذا كان مديرا كان المدير الفخر... و إذا كان جنديا كان الجندي الفخر و إذا كان عاملا كان العامل الفخر و إذا كان دبلوماسيا كان الدبلوماسي الفخر...
فيا أيها المواطن الكريم حاول أن تظل لوطنك المواطن الفخر مثلما كان شاعرنا في مسابقة أمير الشعراء الشاعر الفخر.