لفيف الأطر المغتربين ينظم ندوة و يقدّم مذكرة عن الوحدة الوطنية

 

نظم “منتدى الخبراء الموريتانيين في المهجر” ندوة حوارية حول الوحدة الوطنية في فندق وصال بنواكشوط

حاضر فيها البرفسور عبد الودود الشيخ وحضرها جمع كثير من المثقفين والأكاديميين والسياسيين.


بدأت فعاليات الندوة الحوارية التي كان عنوانها “الوحدة الوطنية: مخاوف وآمال” بكلمة مسجلة ألقاها رئيس المنتدى ممادو بارو من مدينة الويزيانا في بالولايات المتحدة عبر الاسكايب. في مداخلته رحب ممادو بارو بالجميع رجالا ونساء، وتحدث عن المنتدى قائلا إن هذه الندوة الحوارية تدخل في إطار مجموعة من الموضوعات التي تمس الوطن وهمومه، وإن هناك موضوعات أخرى مثل قضية العبودية ومخاطر الفيضانات والإيبولا والحكم الرشيد و الولوج الشامل إلى الخدمات وسواها من الموضوعات المهمة، وأشار إلى أن موضوع الوحدة الوطنية كان مثار نقاشات على مدى عمر الدولة الموريتانية، غير أنه في المراحل الأخيرة تراجع هذا الخطاب وتناقض مع الممارسة الفعلية ليصبح مجرد شعارات وبروباغندا سياسية، وأكد ممادو بارو أن الوحددة الوطنية تشكل حجر الزاوية لبناء أي دولة بمعناها الحقيقي، مضيفا أن هناك مذكرة أوصلها أعضاء المنتدى إلى السلطات الرسمية منذ دجمبر 2018، وفيها رؤية مجموعة من المثقفين والأكاديميين حول وضع البلد ومستقبله وما يجب أن يكون عليه من خلال معالجة الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية السياسية للبلد.

بعد مداخلة رئيس المنتدى بدأ البروفيسور عبد الودود الشيخ محاضرته بالحديث عن الأبعاد التاريخية المشتركة للموريتانيينـ وتحدث عن امبراطورية غانا، وعن لغة “آزير” التي كانت مزيجا من اللغة البربرية والسوننكية كأمثلة، ثم بيّن كيف أن الاسم الأكثر تداولا عربيا لموريتانيا وهو “شنقيط” ذو أصول سوننكية، وقد أكد لي الباحث البروفيسور عثمان جاكانا هذا الكلام يقول البروفسور عبد الودود الشيخ، كما عرج على آراء كبار المؤرخين الذين تحدثوا عن تاريخ المنطقة مثل البكري الذي قال إن “السود” كانوا هم أصحاب الملك بينما كان أصحاب البشرة الفاتحة تابعين، وابن بطوطة الذي زار ولاته ووصفها بأول “عمالة السودان” أي بداية دول السودان، وقال البروفسور إن السود الذين كانوا هم الحاكمين والمتنفذين أصبحوا الآن متحكما فيهم وفي الدرك السفلي من الهرمية الاجتماعية عكس ما كان. وأشار المحاضر في إطار التوطئة التاريخية للموضوع إلى أن الإمارات التي سميت “إمارات البيظان” لم تكن ذات بنية تشبه الدولة أو الكيان السياسي، مضيفا “وأعتقد أنه لم يحدث شيء كبير حتى الآن في هذا الاتجاه حتى الآن”. ونبه المحاضر في هذا السياق إلى أن هذه الامارات لم تكن إسلامية بل بالمعنى الايديولوجي المعروف لدينا اليوم، وإن المؤرخ الشيخ محمد المامي تحدث عن هذا الأمر.


لفت المحاضر أيضا في سياق حديثه عن موريتانيا قبل الاستقلال إلى أن هذا الفضاء كان فضاء رعويا وزراعيا قبل الاستقلال، وبالتحديد حتى منتصف السبعينيات حيث أصبح الكثير من الموريتاننين حضريون أي 65% من السكان، مما فرض تغيرات اجتماعية وواقعا قد يبدو مختلفا في الظاهر ولكنه في عمقه مجرد إفراز وإعادة إنتاج للبنى الاجتماعية القديمة القائمة على نظام الكاست.


المحاضر أيضا تتحدث عن انتشار الأمية والفقر بوصفه مناخا غير منتج للعقليات والتفكير النقدي، وتحدث عن العصبية والتي تقوم عليها القبيلة ككيان، فالقبيلة وجدت لتقاتل غيرها وإلا فإنها تنقسم وتتقاتل فيما بينها يقول المحاضر. عرج أيضا على القبيلة ما بعد الاستعمار، وإن كانت زمن الاستعمار تم التعامل معها فيما يتعلق بالإتاوات والضرائب وتحدث عنها كعزلة داخل الكيانات الضيقة، ثم في عهد الدولة أصبحت القبيلة على شكل “لوبي” يتجمع فيه المستفيدون وبل تستقطب المستفيدين من ريع الدولة وتدمجهم في نسيجها، والأمر هنا- يقول المحاضر- لا يتعلق فقط بمجتمع “البيظان” وإنما ينطبق أيضا على المجتمعات الزنجية حيث نجد نفس التجليات سواء لدى الفلان أو السوننكي أو الوولوف.


وتحدث البروفيسور عبد الودود الشيخ عن الإثنية كمفهوم، وقال إنه ما زالت مفهوما غير واضح، فهو يشبه مفهوم الأمة سوى أن الإثنية لا تلك دولة بالضرورة، وأشار إلى أنه خلال إحضاءات السلطات الإدارية الموريتانية حتى سنة 1967 كان “الفلان الرحل” يعتبرون من ضمن البدو “البيظان”، هو ما يجعلنا نقول إن مفهوم الإثنية بهذا المعنى ظل ملتبسا. في إطار حديثه عن التغيرات الاجتماعية التي تحدث المحاضر عما سماه “الحراطين” كإثنية، جديدة قائمة بحد ذاتها، وهناك نوع من الاصطفاف السياسي على أساس الميلانين يواصل المحاضر نقطته أو ما سماه “مللنة الخطاب السياسي”. وأوضح أن هناك معضلات بنيوية متعلقة حتى بعدم مصداقية الأرقام التي تقدمها الحكومة أيضا النسبة، حيث نجد في 1958 إحصائية تقول إن البولار”الفلان” يمثلون 14%، والسوننكي 4%، والوولف 1%، والبيظان( بما في ذلك الحراطين) 80% من الشعب الموريتاني، مشككا في هذه الأرقام التي لا يبدو أنها أقيمت على إحصاءات واضحة، بقدرما هي رغبة سياسية تدخل في إطار التجاذبات بين الإثنيات، هذا التجاذب الذي يجعل كل إثنية تجنح إلى تقديم نفسها كنسبة عددية معتبرة أو بوصفها أغلبية.


مع تكون البيروقراطية الجديدة والبسيطة كما وصفها المحاضر، حدث تغير اجتماعي ولكنه احتفظ في عمقه ببذور المجتمع القديم وبتراتبيته التقلدية هذه البورجوازية درج اليسار الموريتاني في عز المد الثوري على وصفها ب”البورجوازية الكومبرادورية”.


مسألة حساسة أخرى عرج عليها المحاضر، وهي قضية التعريب عندما أشار إلى نسبة التعليم بعد الاستعماري لم يكن يتجاوز 5%، وهكذا بما أن التعليم كان عربيا فكان الحل لذلك هو التعريب، مما كسر البيروقراطية التي ورثناها عن الاستعمار يقول المحاضر، غير أن المعضلة هي أن هذ التعريب تم استخدامه لأهداف سياسية ضد الزنوج، وأصبح الموضوع موضوعا قوميا، فكانت موريتانية الشخص تقاس بما “عربيته” إن لم نقل عروبيته. وتطورت الأمور في الرجوع إلى الهويات الضيقة حتى وصل إلى تعامل الدولة مع شيخ القبيلة كحانوتي، وهذا طبع علاقتها بشيخ القبيلة، في علاقة بين الحانوتي والسلطة، وهكذا أصبحت التعيينات على أسس قبلية وتوازنات جهوية، وليس من خلال الكفاءة أو غيرها.


لقد أفرزت هذه التحولات على مدى عمر الدولة حقائق لا تختلف عن الحقائق الاجتماعية القديمة، حيث ما زالت نفس الطبقات المهمشة في ذيل المجتمع بينما الطبقات المتحكمة تاريخيا هي نفسها التي شكلت عضد السلطة والمال في عهد الدولة يبدأ المحاضر خلاصته، متحدثا عن كيف أن ما يعتبر القاسم المشترك بين الموريتانيين وهو الدين لم يمنع أحداث ،1989 حيث كان البعض يلوح ببطاقات هويته ويقول أنا مسلم وصائم ولكن ذلك لم يمنع قتله في رابعة النهار يضيف البروفيسور.


وفي ختام الندوة الحوارية اقترح المحاضر أن يكون هناك تشجيع للتلاميذ و الموظفين الذين يجيدون اللغات الوطنية، كنوع من مد الجسور بين مختلف المكونات.


في نهاية الندوة أجاب المحاضر على أسئلة المتدخلين المعقبين وملاحظاتهم.


وعلى هامش المحاضرة أعطى البروفيسور عبد الودود الشيخ لموقع تقدمي حول المحاضرة التي ألقاها وتحدث عنها في نقاط مركزة ومقتصبة