التعويض والاعتذار عن جريمة الاحتلال: الآن...وليس غدا!

احتفل الشعب الموريتاني منذ اسابيع بمرور ستة و خمسون عاما من الحرية، كانت مصبوغة بدماء عشرات الشهداء، لكن يأبى عدو الأمس عن الاعتراف بما فعله من تقتيل و تعذيب لشعب سئم من الاستبداد و الاستعباد، و رفع راية الحرية و الجهاد، فضحى بالأموال و الدماء من أجل تحرير كل شبر من هذه البــــــــــــــــــلاد،
لمحو مخلفات وآثار الفترة الاستعمارية الّتي اكتوت بنيرانها كامل الشعوب المغاربية ولعقود طويلة، ومع تواتر عدد من الأحداث والمستجدات ومن أبرزها تمكّن الأشقاء في الجماهيريّة الليبيّة من انتزاع اعتذار رسمي من الحكومة الإيطالية عن فترة الاستعمار الفاشي للتراب الليبي مع حصولها كذلك عن تعويضات مادية هامّة عن أضرار تلك الفترة ، أصبح من الجائز التحرّك على مستوى بقية الدول من أجل تحقيق هذه المعادلة الجديدة وفتح صفحات من التعاون والشراكة الحقيقيّة مع الدول المستعمرة سابقا وطي صفحة الآلام والجراح والتدمير والضحايا والقتلى.
وليس بالضرورة أن يكون ضحايا الوجود الاستعماري في شكل موتى أو جرحى، قد نتمكّن من تعدادهم ويصبحون بالتالي مجرّد أرقام، وقد لا نتمكّن من ذلك فيصبح تقديرهم من باب التخمينات، لأنّ الضحايا قد يكونون منسيين يصعب حصرهم، 
- ضحايا النهب الاستعماري
- ضحايا التفقير الاستعماري
-ضحايا تحطيم الاستعمار لِبُنَى المجتمع الموريتاني التقليدية وإعادة تشكيله بُنَى أخرى تتماشى ورغبته في استنزاف البلاد اقتصاديا (الصمغ العربي...الخ)
- ضحايا طردوا من أراضيهم التي استولى عليها الاستعمار وفق قوانين سنّها وفق مشيئته، كي يمنحها إلى المعمّرين
- ضحايا صامتون، بعضهم استسلم لقدره المحتوم، والبعض الآخر لم يستكن وحاول الانتفاض، فكان مصيره إمّا النفي والإبعاد أو السجن أو الإعدام.
 
"الجرائم الاستعمارية" هي مسألة قائمة ولا يمكن اعتبارها من باب المزايدات السياسية أو الظرفية، أو التغاضي عنها، وحتّى إن غُضّ عنها فإنّ ذلك لا يمكن أن يشطبها تاريخيا أو يمْحوها من الذاكرة أو يُجرّم من يتحدّث عنها أو..، لأنّ الاستعمار يبقى استعمارا ولا يمكن أن يكون إلاّ استعمارا حتّى وإن خرج من الحياض يوما فرجوعه وارد في كلّ آن كما االعراق.
 وهنا لا يمكننا الحديث عن مزايا الاستعمار وفضائله...لأنّ كلّ «مزية» أو «خصلة» استعمارية في بلد ما ليست منّة منه لهذا الشعب أو ذاك، بل حتّى إدخاله لبعض أنماط الحداثة في وسائل النقل أو التعليم أو الصحّة..هي مندرجة في سياقه الخاصّ به ووفق رزنامته الاستغلالية، وليس حبّا في هذا الشعب أو ذاك، أو رغبة إنسانية حقيقية في الخروج به من دائرة «التوحّش» إلى دائرة «الحضارة»..
 
وفي حال بلاد شنقيط مثلا، فإنّ مسألة الجرائم الاستعمارية في حقّ الموريتانيين أمر ثابت تاريخيا لا يمكن نكرانه أو التقليل منه لدعاوي عدّة.
ويا حبّذا لو أنشأت هيئة وطنية تتكوّن من مختصّين في التاريخ وعلم الاجتماع والحقوقيين وأخصّائيين نفسانيين، مهمّتها رصد هذه الجرائم وتوثيقها ولديها من الصلاحيات ما يمكّنها من ذلك مكملتا دور "الرابطة الوطنية لتخليد بطولات المقاومة" التي اكتفت بدور تخليد واحياء ذكري بعض المعارك، ويجب أن لا يخرج عمل الهيئة عن هذا الإطار المهني بعيدا عن أيّة اعتبارات أخرى، قد تمسّ من مصداقيتها، وتقدّم تقارير في هذا الشأن يطّلع عليها الرأي العام حتّى يكون على بيّنة ممّا حصل في الحقبة الاستعمارية التي تكاد تصبح منسية لدى الأجيال الحاضرة ومنسية لدى القادم منها، بينما يُعدّ الخطر الاستعماري في أيّ شكل قد يأتي وفق ظرفية تاريخية محدّدة، أمرا قائما لا يمكن التغافل عنه، ويبقى مثال العراق أفضل مثال في هذا المجال، مجال عودة استعمار إلى بلد قد تحرّر منذ زمن منه.
وبإمكان هذه الهيئة أن تأخذ بعدا اقليميا من خلال تنسيقها مع هيئات شبيهة بها في الجزائر والمغرب الأقصى بغاية تنسيق الجهود للخروج باعتذار رسمي فرنسي عن هذه الحقبة الاستعمارية ولو شفويا، ولا تعني هذه المطالبة في نظري محاولة لإحياء الضغائن والأحقاد والثأر، قدر ما هي محاولة أعتبرها ضرورية لتجاوز هذه الضغائن والأحقاد بالذات، لأنّه لا يعني عدم مطالبة المستعمر بالاعتذار عن جرائمه قبلئذ أنّ ما وقع أثناء هذه الحقبة بات منسيا، وتمّ تجاوزه، بل بالعكس، يبقى دفينا في اللاوعي الذاكري الجماعي بانتظار الظرفية المواتية للتعبير عمّا اختلج في الصدور لسنوات وعقود أحيانا، وقد لا ندري كيف سيكون هذا التعبير الدفين؟ وهل بإمكان الإحاطة به أم لا؟
 
اعتقد أن جملة من العوامل المتضافرة أسهمت في تخمير مشروع تكوين كتلة الإنصاف الوطني  فهي تعمل على مجموعة اهداف يمكن اختزالها في النقاط التالية :
1- واقعية المطلب ومشروعيته: 
شهدت السنوات الأخيرة تقدما في التعاطي مع هذا النوع من القضايا فاليابان اعتذرت للصين ولكوريا وأستراليا اعتذرت للسكان الذين هجروا قسرا وسخروا لخدمة مستغليهم وايطاليا اعترفت واعتذرت للشعب العربي في ليبيا وانحنى برلسكوني مقبلا يد حفيد عمر المختار وتعمل الآن على التعويض، إلى غير ذلك من المطالبات في أكثر من مكان في العالم وهو ما يعطي مطلبنا مزيدا من الشرعية والواقعية تدفع عنه شبهة التعصب والمثالية الحالمة .
 
2- قانونية المطلب :
 إن الجرائم التي ارتكبها الاحتلال طيلة عشرات السنين لا يمكن آن تسقط بالتقادم من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني.
 
3-تاريخية مطلب الاعتراف والاعتذار: 
هذا المطلب قديم جديد إذ لا يحق لأي كان أن يدعي اليوم بأنه أول من يفتح هذا الموضوع فالشعب العربي عاش سنوات الخمسينات والستينات رافعا شعار إزالة أثار الاستعمار والذي عدل جزئيا ليصبح إزالة أثار العدوان.
ولم يتوقف هذا الأمر لملاحقة المستعمرين وإجبارهم على الاعتراف والاعتذار وجبر الأضرار حتى بعد ذلك ففي الجزائر خاصة مع ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء ومجازر سطيف وغيرها.
-ففي المغرب :لضحايا استعمال الغازات السامة والمجازر في حق المغاربة العزل خاصة بعد ثورة الريف
-وفي تونس المجازر التي ارتكبت عند دخول الاحتلال والاغتيالات التي لحقت الوطنيين والعدوان على ساقية سيدي يوسف ثم حديثا العدوان الصهيوني على حمام الشط واغتيال أبو جهاد إلى غير ذلك من المجازر التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني في لبنان – صبرا وشتيلا – والأمريكي البريطاني في العراق.
من هنا جاءت فكرة إخراج هذه الدعوة التاريخية من الدوائر الضيقة، ومن أسلوب الهبات المؤقتة، أو التوظيف الحزبي أو تركها شأنا رسميا يخضع لحسابات العلاقات الدولية، أمرا حاسما لبلورة جهد نضالي فعال يواجه الجهة المسؤولة عن جرم الاحتلال بوسائل فعالة ومؤثرة ، عدا ذلك فإن الموضوع سيعود للمربع الأول والطرف المقابل لن يبقى مكتوف الأيدي 
بل سيحاول إجهاض أي محاولة جادة.
 
4-مخاطر تكرار الظاهرة الاستعمارية:
 
 لعله من البديهي القول بأن الاحتلال ليس حقبة كما هو رائج في الأدب السياسي بل هو ظاهرة يمكن آن تتكرر كلما توافرت عواملها،وقد جاءت تاريخيا مع استفحال أزمة النظام الرأسمالي ونخشى مع الأزمة الاقتصادية العالمية. وهي أزمة نفس النظام ان نعود إلى نفس الظاهرة وعلى نطاق واسع ويقصد بالدول الاستعمارية كل الدول التي مارست جرما استعماريا: فرنسا -اسبانيا- بريطانيا - الولايات المتحدة.
 
5- الإصرار على التعويض أو جبر الضرر:
يستحيل تقريبا حصر وتقدير الآثار المادية والمعنوية للاحتلال وذلك لمحدودية توثيق تلك المرحلة وسريتها واستحواذ المستعمر نفسه على وثائقها إلى يوم الناس.
 هذا زيادة على الآثار النفسية والثقافية التي لا يمكن تقديرها ماديا فإن فكرة جبر الضرر تأتي إجراء احترازيا ضمن حزمة من الإجراءات الواجب اتخاذها لمنع تكرر الظاهرة الاستعمارية كما ان ذلك فيه إقرار بالمسؤولية الدولية على جرم الاحتلال والالتزام بالتالي بالتعويض للدولة التي وقع فيها.
 
6- استمرار الآثار المترتبة عن الاحتلال إلى اليوم على المستوى البشري والتنموي: 
-ألغام
- إلحاق ثقافي 
-تبعية اقتصادية
- اغتراب حضاري...الخ 
يجعل القضية مركبة وذات أبعاد حقوقية وثقافية وحضارية واقتصادية وإعلامية وسياسية ولذلك فان هذا الأمر يستوجب جهدا يتجاوز قدرات فرد أو حزب أو قطر بمفرده بل يستوجب جهدا جماعيا تتولى أعباءه هيئة مستقلة تتفرع عنها لجان عمل متخصصة في مختلف المجالات.
وبناء على هذه المسوغات يشرفني تثمين جهود الأخوة في كتلة الإنصاف الوطني و اطالب جميع الموريتانيين حكومة وشعبا بتبني ودعم هذا التوجه الوطني المشرف.
 
 
الشيخ احمد ول حافظ
مسؤل الشفافية و الموقع الالكتروني في وكالة النفاذ الشامل