- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 27 أيار 2015 15:40

وكالة الاشعاع :على مر تاريخها الحافل طبيعيا ظلت" منطقة العطف " بولاية كوركول منطقة غابات غنية تزخر بجميع أنواع الحيوانات البرية، لذلك كانت تمد ساكنتها ومن حولها بمستلزمات الحياة الطبيعية؛
وقد كانت، إضافة إلى ذلك، منطقة سياحية متميزة ومهجرا للطيور، و الطيور الأوروبية في فصل الشتاء، كما كانت قبلة للسياح القادمين من القارة الأوربية وغيرها. ثم أصبحت بعد الجفاف الذي ضرب البلاد سنة 1967 مصدرا مهما ومخزونا رعويا لمعظم ولاياتنا الداخلية خصوصا : ( تيرس زمور، داخلت انواذيبو، آدارار، إينشري، ولايات انواكشوط، اترارزه، لبرا كنه، تكانت، لعصابه ). ولذلك ظلت الدولة قبل الثمانينيات من القرن المنصرم حريصة على منع تعدد نقاط المياه فيها صيانة للمخزون الرعوي الذي كانت تزخر به، وبوصفها الشريان الرئوي الذي يتنفس من خلاله المنمون في حالة ندرة المراعي لخصوصيتها وموقعها المتميز بين مقاطعات ولاية كوركول، وباعتبارها أصلا خالية من التقري باستثناء حيين كانا يقطنان المنطقة منذ عهد الفرنسيين، ويتحركان داخلها وخارجها، وباعتبارها أيضا خالية من أي ملكية عقارية تقليدية؛ وبالإضافة إلى ذلك كانت أيضا نقطة عبور لباعة المواشي (الجلابة) التي كانت تصدر المواشي من الحوضين ولعصابة إلى السنغال، فضلا عن كونها موقعا متميزا أصلا في محاصيل الصمغ العربي؛ مع التنبيه أن مساحتها تقدر ب : 5850 كلم مربع.
ومنذ سنة ألفين 2000 على وجه الخصوص شهدت هذه المنطقة العديد من محاولات التقري العشوائي، والحفر للعديد من نقاط المياه ذات الأغراض التجارية، وصناعة الفحم غير المشرع. وفي سنة 2005 كانت فيها مضختان عموميتان وقع حفرهما عام 2003 من طرف وزارة المياه والطاقة ضمن خطة استعجالية تم وضعها آنذاك لفائدة المنمين. أما الآن، فقد أضحت تتضمن عشر مضخات ارتوازية، من بينها ست مضخات خصوصية. إضافة إلى مضخة ارتوازية تم الترخيص لها مؤخرا، لا تزال قيد الانجاز، فضلا عن مجموعة من الآبار العمومية في مجملها. وقد تضررت المنطقة كذلك من تعدد المحميات العصرية والتقليدية التي تُقام بحجة الزراعة المطرية، وهي محميات ذات أثر سلبي كبير في تدمير الأشجار والتدهور المستمر للوسط الطبيعي.
لقد ظلت منطقة العطف - كما كانت في السابق - تمثل ثروة رعوية ضخمة بالغة الأهمية بالنسبة لولاية كوركول خصوصا، وللدولة الموريتانية عموما. لكنها توشك أن تكون في مهب رياح الضياع نظرا لتضافر عوامل الإهمال وأساليب النهب المختلفة، مما يتطلب من الجهات المعنية بها العمل على تدخل سريع لصالح تلافيها من هوة الضياع التي يُتوقع أن تقع فيها عما قريب إن لم يتم تداركها قبل فوات الأوان. ومن الواضح أن ذلك التلافي يستلزم من الجهات المهتمة بالموضوع العمل على إقامة أيام تشاورية في أقرب الآجال تفضي إلي دراسة جادة لرسم خارطة طريق واضحة المعالم حول ما ينبغي القيام به في هذا الصدد.
وفي هذا الأفق - وبوصفي أحد المدافعين والمهتمين بالبيئة في المنطقة والحريصين على سلامتها - ارتأيت أن أقدم هذا التعريف بالاحتياط الرعوي الهام جهويا ووطنيا منذ فترة الجفاف الذي ضرب البلاد عام 1967.
أولا - الأثر السلبي لهذه الوضعية :
لقد انجر عن هذه الوضعية أن أضحى العطف منطقة لم تعد مع الأسف احتياطا رعويا لبلادنا - كما كانت في السابق- ؛ إذ لم تعد الأشجار والغابات موجودة بالشكل الذي كانت عليه من قبل، بل أصبح المخزون كله مهددا بفعل استنزاف المخزون المائي الذي تتغذى عليه الغابات، وذلك نتيجة للإفراط المستمر في استغلال المراعي والمياه الجوفية، ومحاولات إنتاج الفحم غير المرخص، ومحاولات طلبات الاقتطاع الريفي المحظور أصلا في المناطق الريفية بمقتضى النصوص التي تحظر الاقتطاع الريفي في المناطق الريفية ذات الكفاءة الرعوية العالية.
ثانيا - التحديات التي يواجهها المخزون الرعوي في ولاية كوركول لاسيما منطقة العطف :
فبالإضافة إلي ظاهرة التغيرات المناخية التي تهدد الغطاء النباتي في هذه المنطقة الحيوية بشكل جدي، فإن هناك ظاهرة بشرية يتعين علي الجميع الحد من سلبياتها، بل و محاربتها، وهي ظاهرة المحميات المنتشرة في المنطقة، والتي أصبحت تشكل عائقا كبيرا أمام نفاذ الماشية إلي مياه النهر من الشمال الغربي، والجنوب الغربي، ووادي كوركول الأخضر من الشمال.
هذه المحميات تشكل خطرا آخر لا يقل سلبية و تدميرا للبيئة والمراعي من قطع الأشجار وإنتاج الفحم غير المشرع ومحاولات التقري الفوضوي؛ علما أن الهدف الحقيقي من إقامة هذه المحميات هو محاولة الحصول احتيالا على ملكية الأرضي ( الكزره ) في المناطق الرعوية الريفية، خصوصا وإن كانت هذه المحميات تأخذ في العادة أشكالا مختلفة، من بينها إغلاق المجال الحيوي الممتد ما بين منطقة العطف والنهر من جهة الغرب، فإنها من الناحية الشمالية تشكل حاجزا بين العطف ووادي كوركول الأخضر، مما يؤدي إلى مضايقة حركة الحيوانات، ومنعها من الوصول بسهولة إلى نقاط الشرب ( لمشارع ) المعهودة لذلك.
وعلاوة على ذلك، فهذه المحميات تتم إقامتها في إطار تجاهل تام للمعايير القانونية لمسطرة بناء المحميات.
ثالثا: النتائج السلبية المتوقعة من إقامة هذه المحميات :
- التدمير المستمر للبيئة والإتلاف المتواصل للمراعي والخطر الدائم بالحرائق.
- مضايقة حركة المواشي نحو المياه ( المشرع المعهود للشرب ).
رابعا - الاقتراحات :
مراجعة الممارسات السابقة السيئة التي كانت متبعة في تسيير هذا الاحتياط الرعوي الهام ليس فحسب بالنسبة لولاية كوركول - بل لمعظم ولاياتنا الداخلية - ، وذلك من خلال ما يلي :
-
العمل على وقف الحفر الخصوصي ذي الأغراض التجارية في منطقة العطف، نظرا لأن الماء متوفر بما فيه الكفاية في المنطقة.
-
منع كل محاولات الاقتطاع الريفي، وإقامة المحميات في المنطقة نظرا للأسباب السالفة ( الاحتيال لملكية الأرض )
-
وقف كل محاولات التقري الفوضوي مع عرض فكرة تجميع القرى والأحياء الموجودة بالمنطقة في تجمع قروي واحد.
-
ضرورة وجود وحدة من الحرس الوطني ( الجمالة ) مستقرة في العطف لتعزيز الرقابة في المنطقة.
-
خفض أسعار غاز البوتان.
-
تحريم بناء أو إقامة المحميات الرعوية في المنطقة الواقعة بين البلديات العشر التالية والتي لها صلة بمنطقة العطف وهي : ( لكصيبه 1- جول - توكومادي - تفندي سيفه / مقاطعة كيهيدي " دولل سيفه - ضو- مقامه - بيلكت ليتامه " /مقاطعة مقامه " أدباي أهل كلاي - فم لكليته " /مقاطعة امبود ) بالإضافة إلى المناطق المحاذية للعطف مع النهر ووادي كوركول الأخضر.
الخلاصة :
إن الأفكار المقدمة في هذا العرض المفصل لا تمثل رؤية أولية سريعة فحسب حول الوضعية السائدة في هذه المنطقة، والإجراءات المطلوبة لتلافي كارثة ضياع الثروة الثمينة التي احتضنتها منطقة العطف في ماضيها - كلنا أمل في أن تستعيدها في مستقبل مأمول ومأمون - بل هي أفكار في نظرنا تشكل عملا جادا، جاهزا، ورؤية وليدة المراس والتجربة الطويلة، والخبرة الواعية المتبصرة الحريصة علي سلامة الوسط الطبيعي، والتسيير الأمثل للمخزون الرعوي، ولحياة السكان ضمن سياق الصالح العام، نتمنى إثراءها وتكميلها وتحسينها من خلال تنظيم أيام تشاورية، نأمل أن تكون قريبة .
بدي ولد أحمد سعيد