النظام الموريتا نى يعد فريقا متكا ملا لمنا زلة الا سلاميين

لم يكن قرار استهداف مؤسسات جمعوية ينشط فيها التيار الإسلامي مفاجئا فقد سبقته مؤشرات عدة تدل على أن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز يسير على خطى سلفه  ولد الطائع وأن لحظة المواجهة بين الإسلاميين والسلطة قادمة لامحالة.

 الاعتداء على الشيخ الددو في الشارع العام ورفض الحكومة تحريك الدعوي العمومية ضد الجاني مثل مؤشرا مبكرا على  أن الشيخ الددو سيكون عنوان المواجهة، وهو ما تأكد مساء الخميس حين صدر قرار بحظر جمعية المستقبل أكبر الجمعيات الدعوية في موريتانيا، وهي الجمعية التي يرأس الشيخ الددو مجلس إدارتها وتعرف به داخليا وخارجيا.

 أغلقت جمعية المستقبل إذا بقرار رسمي من وزير الداخلية جاء في تعليلاته أن الجمعية تمارس التأثير المفزع على نفوس المواطنين وتهدد الأمن والسلم العام، ومع إغلاق الجمعية أغلق معهد تعليم البنات ومركز النور الصحي، وهما هيئتان لاتربطهما أي صلة إدارية بجمعية المستقبل مع أن القائمين عليهما ينتمون للتيار الإسلامي الذي تعتبر جمعية المستقبل التعبير الدعوي والفكري والتربوي عنه، لكن ما لم يعرف بعد هو هل إغلاق جمعية المستقبل إيذان بمواجهة شاملة بين الإسلاميين والسلطة أم أنه مجرد تكيف مرحلي من السلطة مع إكراهات وسياقات وعمولات خارجية  ؟

 استهداف.. أم مقتضيات تسلم عمولة

 تزامن قرار إغلاق جمعية المستقبل مع تطورات متسارعة على المستوى العربي في سياق التدافع القوى الحاصل في المنطقة بين تياري دعم ثورات الربيع، ودعم الثورات المضادة، فقد قامت دول  خليجية بخطوات تصعيدية متزامنة تجاه قطر، وأعلنت السعودية   جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية .

 وخلال الساعات التي سبقت قرار حظر جمعية المستقبل كان السفير السعودي في لقاء موسع مع الرئيس المويتاني محمد ولد عبدالعزيز، وكان لافتا أن الإعلام السعودي والإعلام العربي الممول سعوديا احتفى بالقرار الموريتاني وقدمه على أساس أنه قرار موريتاني بحظر جماعة الإخوان المسلمين، أو حل أكبر جمعية للإخوان المسلمين في موريتانيا وما إلى ذلك من عناوين كان واضحا فيها الاحتفاء بالخطوة الموريتانية ووضعها في سياق إنجازات  الدبلوماسية السعودية التي تعتبر  الآن استهداف الإسلاميين في كل مكان أولويتها القصوى.

 وكان موقع السراج قد نشر قبل أكثر من شهر تحليلا عن تمويلات سعودية  تم ضخها في موريتانيا مقابل مساعدة موريتانيا التي تترأس الاتحاد الافريقي في تسهيل تحول الموقف الإفريقي من الانقلاب  في مصر المدعوم سعوديا.

 الترابط إذا بين قرار حظر جمعية المستقبل والقرار السعودي بحظر الإخوان جلي لكن السؤال المطروح هو هل قرر النظام الموريتاني وهو يحل جمعية المستقبل الدخول في مواجهة شاملة مع التيار الإسلامي الموريتاني المتجذر في المجتمع ومؤسساته أم أنه اتخذ قرار  حظر الجمعية فقط تلبية للطلب السعودي وتحقيقا لشروط الاستفادة من الكعكة السعودية المخصصة لمواجهة الإخوان عبر العالم.؟؟

 ربما لاتوجد حتى الان مؤشرات كافية  لتقديم إجابة جازمة على السؤال السابق لكن عدة مؤشرات تدل على أن حظر جمعية المستقبل يمثل بالفعل إعلان حرب شاملة على التيار الإسلامي الموريتاني، ومن أهم هذه المؤشرات

    - يمثل الشيخ محمد الحسن ولد الددو اليوم أبرز شخصية علمية في موريتانيا كلها، وهو شخصية عالمية لها مكانتها الكبيرة في العالم الإسلامي كله، فحين تقرر السلطة في موريتانيا أن تهينه في الشارع العام وتبعث له أحد عناصرها البلطجية، وتعلن في وقت لاحق حظر الجمعية التي يرأس بتهمة  ممارسة التأثير المفزع على الناس يعني ذلك أنها لن تواجه صعوبة كبيرة في اتخاذ قرار بحل حزب سياسي أو مؤسسة جمعوية أو إعلامية تعتقد أو تعتبر أنها تابعة للتيار الإسلامي.

  - تم التحضير لخطوة استهداف التيار الإسلامي على  مدى طويل؛ فحين نعود إلى بواكير الحملات الإعلامية المنظمة التي يدار أغلبها من الرئاسة ندرك أن قرار استهداف الإسلاميين متخذ منذ فترة ربما كان يحتاج جهة  تقدم ثمنا مجزيا مقابله لكن الرغبة فيه والقناعة به موجودة لدى ولد عبدالعزيز ربما حتى منذ ما قبل وصوله للرئاسة إنه جزء من الإرث الطائعي الذي يكن له ولد عبدالعزيز احتراما كبيرا في وعيه وفي لاوعيه.

  - قبل أسابيع من اتخاذ القرار تم تعيين السيد سيدي محمد ولد  محم وزيرا للإعلام، وهو اختيار كان واضحا منذ البداية  أنه يؤشر على حملة استهداف للإسلاميين ؛ فالرجل صاحب السابقة الإسلامية البعيدة  مستعد للذهاب في أقصى نقاط التطرف ضدهم حتى يثبت أن تلك السابقة لا لاحقة لها، وهو رهان كسبه الوزير في ثلاث خرجات  إعلامية كان آخرها تلك التي سبقت بساعات  إعلان حظر المستقبل فقد قال ولد محم إن قصة تمزيق المصحف اخترعتها جماعة فشلت في فرض الرحيل وفي تحقيق مكاسب وتريد استيراد ثقافة الشهداء وتأبينهم.

 - في اليوم السابق لقرار الحظر تم اختيار  مدير الديوان السابق السيد اسلكو ولد ازيد بيه رئيسا للحزب الحاكم، وهو شخصية تمثل أقصى تيار التطرف ضد الإسلاميين في نظام ولد عبدالعزيز، وفي نفس اللحظة التي كان فيها ولد ازيد بيه يستلم مهامه رئيسا للحزب كانت مجموعات تابعة له تهتف أمام قناة المرابطون مطالبة بحظرها وحلها.

 اسلكو الذي اختير ولد محم نائبا أول له اختار المدير ولد بونه  الناصري غير المشهور بالاعجاب بالتيار الإسلامي أمينا عاما للحزب، ليكتمل بذلك اختيار طاقم سياسي متحمس لمنازلة الإسلاميين.

 - بعد ساعات من  جريمة تمزيق المصحف وما أعقبها من هبة شعبية عارمة كان العشرات من الفقهاء يصطفون أمام الإذاعة والتلفزيون مستعيدين إرشيف 2003، ومحرضين بشكل واضح على من يبدو أن صاحب القرار أن يعتبرهم كبش فداء، وقد وصل التحريض ذروته مع كل من الشيخ ولد الشيخ أحمد الذي هدر دم كل متظاهر لايحمل  معه رخصة، والشيخ حمدن ولد اتاه الذي  طالب علانية بإغلاق كل مؤسسة أو قناة تحرض على العنف.

 معروف أن وسائل الإعلام العمومية  تتربع على إدارتها طواقم لبعضها ثأر قديم مع التيار الإسلامي، ويعتبر المدير العام للإذاعة السيد محمد الشيخ ولد سيدي محمد أحد أبرز هؤلاء، وأكثرهم إسهاما – من داخل الإذاعة وخارجها – في تهيئة الأجواء لاستهداف التيار الإسلامي.

 الراجح إذا وفق المعطيات المتوافرة أن السلطة قررت أن تدخل في مواجهة شاملة ومفتوحة مع التيار الإسلامي وهي مواجهة لن تكون أقل سخونة من  مواجهة شبيهة دارت بين  الطرفين قبل  عقد من الآن.

السراج