تفاصيل أول جلسة برلمانية..انتهت بحدث سيكون له ما بعده
- التفاصيل
- نشر بتاريخ الخميس, 30 كانون2/يناير 2014 13:01
باستثناء الستائر وبعض الدهانات الخافتة لم يتغير شكل مبنى الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى في البرلمان الموريتاني)، التي تواصلت فيها عمليات نفض الغبار عن الصحون الملحقة بمطعمه وزيد عددها ليتناسب مع الزيادة الجديدة في عدد المقاعد 147، بدلا من 95.
بدت الجلسة الأولى للجمعية الوطنية في تشكيلتها الجديدة مثيرة للانتباه، فقد غصت ردهات القبة التشريعية بعشرات النواب الجدد المبهورين بالعالم الذي يدلفون إليه، وكأنها الليلة الأولى في عش الزوجية، سحنات وملامح مختلفة، واندهاش على ملامح القادمين، وزهو ومرح يطغيان على مشاعر بعض النواب القدامى، وهم يعودون إلى أماكنهم.
حوالي خمس غيابات فقط سجلت في اليوم الأول، معظم أصحابها وزراء بينما نادى مناد البرلمان بأسماء النواب الواحد تلو الأخر فكانت الاستجابة تسبق أحيانا إكمال اسم المنادى، "ربما لان بعض المنتخبين لم يصدقوا أنهم فعلا وصلوا إلى البرلمان، وان رواتبهم دخلت حسابات الميزانية الجديدة" يعلق احد النواب المخضرمين.
الساعات الأولى من جلسة الجمعية الوطنية تميزت بأبرز حدث ميز الغرفة الجديدة وقد يكون له ما بعده بحسب المراقبين، فبعد جدل حول هوية المرشح الأوفر حظا لتولى رئاسة المجلس، طغت الأحاديث الجانبية، ومعظمها على شكل مفاوضات ثنائية، على تمرينات ما قبل التصويت. كثر الهمس وارتفعت في بعض الأحيان حدة النقاشات بين النواب الذين دخل بعضهم في ملاسنات حادة.
حظي مسعود ولد بلخير رئيس الجمعية الوطنية المنتهية ولايته عند دخول القاعة بتصفيق حاد، لكن بدا أن حرارة الاستقبال حملت في طياتها مراسيم الوداع، وبدلا من التوجه إلى مقصورة القيادة فضل ولد بلخير الجلوس مع النواب، ليجيب ضمنيا على السؤال المتعلق بحقيقة ترشحه لرئاسة الجمعية الوطنية.
كان ولد بلخير قد علم بأن ترشحه لفترة جديدة لن يكون مضمون النتيجة لوجود مرشح قوي تقف خلفه غالبية النواب، وفي مكان متقدم من صفوف النواب اختار بيجل ولد هميد رئيس حزب الوئام الديمقراطي الاجتماعي، ــــأحد أبرز خصوم المرشح لرئاسة الجمعية محمد ولد ابيليل ــ رفقة عدد من نواب حزبه التخندق غير بعيد من منصة الجمعية، فيما كان وزير الداخلية السابق ولد ابيليل قد حسم أمره وقرر الترشح لرئاسة الجمعية مدعوما بأغلبية مريحة.
مرت عملية انتخاب محمد ولد ابيليل رئيسا للجمعية الوطنية بمخاض من الجدل والشائعات أدت إلى اصدرا ثلاثة مراسيم في أسبوع واحد، طلب الأول من البرلمان الانعقاد، قبل أن يأتي المرسوم الثاني ليطلب التأجيل إلى أجل غير مسمى لكنه أجل لم يعمر طويلا، فقد اتبع بمرسوم يحدد تاريخ الدورة بعد يوم واحد.
وإبان فترة الأيام الثلاثة الأولى دخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الذي يقود الأغلبية، في تربصات ما قبل الحسم الذي جاء بإيعاز من الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بحسب مصادر مطلعة.
احتلال منصب رئيس للجمعية الوطنية خضع لمقاربات عديدة، فينما حاول بعض منظري السلطة تغيير فلسفة المنصب، من حيث ضرورة أن يتولاه أحد المنحدرين من العرب السمر قياسا على ما جرت به التجربة إبان تولى رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير لرئاسته، خلال المأمورية الماضية، كانت أطياف أخرى تدفع باتجاه تجاوز تلك المعادلة من خلال ترشيح شخصية أخرى تمثل إحدى الشرائح الموريتانية، للنأي بنفسها على المحاصصة السابقة.
وفي أتون ذلك السجال، رست بوصلة الرئيس محمد ولد عبد العزيز على الإداري المخضرم والوزير المتقاعد محمد ولد ابيليل، وذلك بعد لقاءات جمعت ولد عبد العزيز بخصوم ولد ابيليل لاسيما بيجل ولد هميد، ومسعود ولد بلخير، تلك اللقاءات التي رافقتها تحليلات ذهب بعضها إلى احتمال أن يحظى ولد بلخير بدعم من السلطة بفرصة ثانية على رأس الجمعية الوطنية.
ظهور ولد ابيليل مرشح وافر الحظوظ، لم يكن مبعث سرور وخاصة بالنسبة لرئيس حزب الوئام بيجل، ولأحزاب المعاهدة وتواصل، فقد رأى فيه بعضه تراجعا في التفاهمات الضمنية التي تمخضت عنها جولة حوار 2011، بين السلطة وبعض أحزاب المعارضة ، لكن ذلك لم يوقف ولد أبيليل، الذي تحرك بسرعة مدعوما في التصويت بأكثر من 89 نائبا من أصل 147متبوعا بمرشح حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، الذي حصل على 34 صوتا، فيما حل المصطفى ولد أحمد المكي، مرشح حزب الكرامة ثالثا بسبعة أصوات.
وفي خطاب انتخابه كان ولد ابيليل ممتنا لمن صوتوا له، متعهدا بأن يكون رئيسا لكل البرلمانيين، بينما انشغل ولد هميد باعادة تصحيح وضعية لثامه الذي بالكاد ثبت على جمجمته، وهو يتابع كلمات خصمه القادم على أكتاف الأغلبية.
عمل رئيس الجمعية الوطنية الجديد لسنوات في الإدارة الموريتانية، من حاكم إلى وال. ويقول مقربون منه إنه تميز في فترات توليه للمسؤوليات الإدارية بنوع من الصرامة والجرأة في تنفيذ الأوامر الإدارية.
فحين كانت بعض أحياء نواكشوط العشوائية تعيش حالة من الفوضى ويرفض سكانها تسوية النزاعات الحدودية، كان ولد ابليل أكثر جرأة في فرض التسويات من خلال جحافل البلدوزرات التي كانت ترافقه، كلما هم بتسوية نزاع عقاري، ويتداول على نطاق واسع في موريتانيا حكايته مع متنازعين في لعصابة أيام كان واليا عليها وهو الذي قال لسكان الولاية "إن الرجال اثنان أنا والبلدوزر"، في إشارة منه على مضيه في تطبيق القرارات الإدارية.
تولى محمد ولد ابيليل المنحدر من مقاطعة كرمسين جنوب غرب موريتانيا، حقائب رسمية، كان آخرها عمله وزيرا للداخلية، التي أحيل منها مباشرة إلى التقاعد، قبل أن يترشح على رأس لائحة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في نواكشوطن ليضمن مقعدا برلمانيا.
سبق لولد ابيليل أن انتخب عضوا في البرلمان السابق تحت ألوان حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض، بعد صراع انتخابي مع خصمه التقليدي بيجل ولد هميد، قبل أن يقرر الانضمام إلى صفوف داعمي الرئيس ولد عبد العزيز، بعد انسحاب التكتل من دعم انقلاب 8 أغسطس 2008.
اليوم يدير ولد ابيليل برلمانا غير متجانس..ويضم تحت قبته أبرز خصومه، ممن جمعتهم ذات يوم حركة الحر.